للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا لو قال: لم أنو بالأولى شيئاً ونويت بالثّانية الطّلاق وبالثّالثة الحيض، فهي طلاق واحد، والحادي عشر هو أن يقول: لم أنو بالأولى شيئاً ونويت بالثّانية الطّلاق [أو لم أنو بالثّالثة] الطّلاق، فهي ثنتان؛ لأنّه لم يكن الحال حال مذاكرة الطّلاق عند الأولى، فلا يقع بها شيء، والثّانية صارت طلاقاً بالنيّة، والثّالثة ذكرت في حال مذاكرة الطّلاق، فصار طلاقاً، والثّاني عشر إذا قال: اعتدى ثلاثاً، وقال: نويت في قولي اعتدى طلاقاً، ونويت بالثّلاث ثلاث حيض، فهو كما قال في القضاء، أما نية الطّلاق في قوله اعتدي صحيح؛ لما قلنا، وبعد وقوع الطّلاق يلزمها الاعتداد بثلاث حيض، وكان الظّاهر شاهدًا له فيما نوى، ونصيب الثلاث دليل على ذلك، كأنّه قال بثلاث حيض أيضاً؛ لأنّه أمين، أي لأنّ الزّوج أَمِينٌفِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، ولهذا يصدق في حال عدم مذاكرة الطّلاق، وإذا كان أمينًا لا يصدق قوله بدون اليمين (١).

وذكر في «المبسوط» ولو قال لها: اعتدي، وقال: لم أنو به الطّلاق فهي امرأته بعد أن يحلف، وكذلك في جميع الألفاظ المتقدّمة، إذا قال لم أنو الطّلاق فعليه اليمين؛ لأنّه أمين فيما يخبر عن ضميره، والقول قول الأمين مع اليمين، واليمين لنفي التهمة عنه، ألا ترى أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلف ابن ركانةفي لفظ النيّة (٢) (٣)، والله أعلم بالصّواب.

باب تفويض (٤) الطّلاق

لما فرغ من بيان الطّلاق بنفسه، وهو الأصل لما أنّ الأصل أن يكون التصرّف واقعاً للمتصرف نفسه لا لغيره، شرع في بيان التصرّف الذي يستفاد ولاية التصرّف من الغير (٥).


(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢١٨)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٧٢).
(٢) أخرجه أبي داود في السنن (كتاب الطلاق/ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث/ ٢١٩٥)، والبيهقي في السنن الكبرى (جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ/ بَابُ مَا جَاءَ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ١٥٠٠٠)، والدارقطني في سننه (باب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره/ ٣٩٧٨، ٣٩٧٩)، قال الدارقطني: "قال أبو داود هذا حديث صحيح"، ينظر: سنن الدارقطني (٥/ ٥٩ - ٦٠).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٧٩).
(٤) [فوض] فَوَّض إليه الأمرَ، أي ردَّه إليه. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٣/ ١٠٩٩).
(٥) قَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢١٩).