للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في الكفارة (١)

لَّما ذكر المُوجِبِ (٢) شَرع في بَيَانِ المُوجَبِ، وهو الكفارة لكن هو موجب اليمين عند الانقلاب؛ لأنّ اليمين لم تشرع للكفارة بل قد تنقلب موجبةً لها عند انتقاضها بالحنث. وقال الشّافعي -رحمه الله-: يخيّر لإطلاق النّص (٣) فإن قلت: هو لا يعمل بالمطلق عند ورود النّصين من المطلق والمقيّد، بل يحمل المطلق على المقيّد فكيف لم يحمل ههنا مع ورود القرائن مطلقًا ومقيّدًا؟ قلت: فإنّه يقول اتجه ههنا أصلان متعارضان:

أحدهما: مقيّد بقيد التفرّق وهو صوم المتعة في الحج.

والثّاني: مقيد بقيد التتابع وهو صوم كفارة القتل والظّهار فلم يمكن لي إلحاق هذا المطلق بأحد المقيدين بعينه لئلا يترك النص المقيّد بالآخر، الذي معارضه فعملت بالمطلق على إطلاقه لذلك وقلنا: (صوم المتعة غير مقيد بالتّفرق، ولكن لا يجوز قبل يوم النّحر؛ لأنّه مضاف إلى وقت الرجوع بحرف إذا في قوله تعالى: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (٤) فلم يصح تعليله بالتفرّق) إلى هذا أشار في المبسوط (٥).

ولنا (٦) قراءة ابن مسعود -رضي الله عنه- (فصيام ثلاثة أيّام متتابعات) وهي كالخبر المشهور (٧). وفي المبسوط (٨) ولكنا (نوجب صفة التّتابع بقراءة ابن مسعود -رضي الله عنه- فصيام ثلاثة أيّام متتابعات، ثم قال: فيحتاج إلى الفرق بين هذا وبين صدقة الفطر فقد ورد هناك حديثان:


(١) الكفارة: (الْكَفَّارَة) ما يستغفر به الآثم من صدقة وصوم ونحو ذلك. انظر: المعجم الوسيط (٢/ ٧٩٢)، (الكفارة). بتشديد الفاء، ما يكفر: أي يغطى به الاثم. انظر: معجم لغة الفقهاء (١/ ٣٨٢).
(٢) الموجِب بكسر الجيم وهو الحنث أي سبب اليمين.
(٣) "كفارة اليمين فإنها مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء لأنه يخير ابتداء بين الإطعام والكسوة والإعتاق، فإن لم يقدر على هذه الخصال صام ثلاثة أيام". انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين للبكري (٤/ ٤٣).
مذهب الشافعية: أنه لا يجب التتابع في صوم الثلاثة أيام _ كفارة اليمين _ على القول الأظهر الجديد، والقول القديم: أنه يجب التتابع حملًا للمطلق في كفارة اليمين على المقيد في كفارة الظهار.
أنظر: الوسيط (٧/ ٢١٨ - ٢١٩)، مغني المحتاج (٢/ ١٩٨)، روضة الطالبين (١١/ ٢١).
(٤) سورة البقرة آية: (١٩٦).
(٥) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ٤).
(٦) انظر: مختصر الطحاوي ص (٣٠٧)، شرح فتح القدير (٥/ ٨١)، البناية (٦/ ٣٣)، الدر المختار (٣/ ٧٢٧).
(٧) رواه عبدالرزاق في مصنفه (٨/ ٥١٣)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (٢١) باب (صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير) رقم الحديث (١٦١٠٢) عن عطاء قال: بلغنا في قراءة ابن مسعود: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات) قالة وكذلك كنا نقرؤها. وانظر السنن الكبرى للبيهقي (١٠/ ١٠٤)، كتاب الأيمان، رقم (٦٣)، باب التتابع في صوم الكفارة، رقم الحديث (٢٠٠١٢)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٣٠٣)، كتاب التفسير، سورة البقر، رقم (٣٠٩١) عن ابي بن كعب.
(٨) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٤٤).