للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّ حرمة هذه الأشياء تحتمل الفسخ والتّبديل، أمّا الزنا والسّرقة (١)، فإنّهما لا يحتملان النّسخ (٢) ولكن ذلك الفعل المقصود بالزّنا وذلك العين المقصود بالسّرقة بعينه جاز أن يكون حلالًا له بوجه النكاح، وملك اليمين، فسمّى احتمال انقلابهما من الحرمة إلى الحلّ بالسّبب الشّرعي نسخًا وتبديلًا، وأمّا الخمر والربا (٣) فيحتمل النّسخ، أما الخمر فظاهر، فإنّها كانت حلالًا ثمّ انتسخ.

وأمّا الربا فيحتمل النّسخ في نفسه وإن لم يرد النّسخ في حقّه. ألا ترى أنّه يحل في دار الحرب؟ فإذا كان كذلك لم يكن حرمة هذه الأشياء في معنى حرمة اسم الله تعالى؛ لأن حرمته لا تحلّ في حال فلا يتحقّق اليمين بذكر هذه الأشياء، أو نقول: أنّه لا يكون زانياً ولا سارقًا بمجرّد قوله: (أنا زان أو سارق) فيما بَيَنَهُ وبَين الله تعالى، بدون الاتصال بالفعل بخلاف قوله: أنا يهودي أو نصراني، والأصحّ في التّعليل هو أن الحلف بهذه الأشياء من الزنا والسرقة غير متعارف فلا يكون يمينًا بخلاف قوله: (هو يهودي).

وذكر في الذّخيرة: والحاصل أن كل شيء هو حرام حرمة مؤبّدة بحيث لا يسقط حرمته بحال من الأحوال؛ كالكفر وأشباهه فاستحلاله معلّقاً بالشّرط يكون يمينًا، وكلّ شيء هو حرام بحيث تسقط حرمته بحال؛ كالميتة والخمر وأشباهها ذلك فاستحلاله معلّق بالشّرط لا يكون يمينًا. والله أعلم بالصواب (٤).


(١) السَّرِقةُ في اللغة: أخذ الشيء من الغيرُ على وجهُ الخُفيةِ. انظر: لسان العرب (١٠/ ١٨٦)، (سرق).
وفي عرف الفقهاء: هي أخذُ العاقلِ البالغِ نصاباً محرزاً، أو ما قيمته نصاباً مِلكاً للغيرِ لا شبهة له فيه على وجه الخفيةِ. انظر: الاختيار لتعليل المختار (٤/ ١٠٩).
(٢) النسخ عند الاصوليين: هو اللفظ الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع تأخير عن مورده. البرهان في اصول الفقه (٢/ ٢٤٦). وعُرف بتعريف آخر: رفعُ الحُكم الثَّابت بِخطابٍ مُتَقَدِّمٍ، بِخطابٍ مُتَرَاخٍ عنه.
انظر: شرح مختصر الروضة (٢/ ٢٥٦).
(٣) الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: هُوَ الزِّيَادَةُ. انظر: لسان العرب (١٤/ ٣٠٤)، التعريفات (١/ ١٠٩)، (ربا)، وعند الفقهاء: الرِّبَا: هو الفَضلُ الخالي عن العوض المشروط في البيع. انظر: المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٠٩)، العناية (٧/ ٨).
(٤) " بالصواب " ساقطة من (ب).