للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثّانية: أن يقول [لله عليَّ صوم يوم الجمعة أو قال عليَّ نذر صوم يوم الجمعة] فعليه الوفاء به وهو الذي ذكر بعد هذا بقوله ومن نذر نذرًا مطلقًا فهو مطلق من حيث إنّه لم يعلقه بشرط، يعني لم يقل إذا جاء فلان أو إن شفى الله مرضي فلله عليّ صوم يوم الجمعة أو نذر صوم يوم الجمعة.

والثّالثة: إذا علّق نذره بشرط كما ذكرنا فعليه الوفاء بما سمّى.

والرابعة: أن يقول عليَّ نذر أن لا أفعل كذا أو عليَّ نذرًا لله أن لا أفعل كذا فهذا ينعقد يمينًا، وموجبه موجب اليمين، كذا ذكره الإمام بدر الدين الكردري (١)، -رحمه الله- ونذكر تمامه فيما بعد إن شاء الله تعالى (وإن قال إن فعلت كذا فهو يهودي) إلى آخره. ثم هل يكفر بهذه اليمين أم لا؟ فقال في المبسوط (٢): (وقد روي عن محمّد -رحمه الله- إذا قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا هما يمينان، وإن قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا فهو يمين واحدة؛ لأنّ في الأوّل كل واحد من اللّفظين تام يذكر الشّرط والجزاء، وفي الثاني كلام واحد حين ذكر الشّرط مرة واحدة.

ولو حلف على أمر في الماضي بهذا اللّفظ، فإن كان عنده أنّه صادق فلا شيء عليه، وإن كان يعلم أنّه كاذب فكان محمّد بن مقاتل (٣) يقول يكفر؛ لأنّه علق الكفر بما هو موجود والتّعليق بالوجود تنجيز فكأنّه قال هو كافر.

وعن أبي يوسف -رحمه الله- أنّه لا يكفر اعتبارًا للماضي بالمستقبل ففي المستقبل هذا اللّفظ يمين يكفّرها كاليمين بالله، وفي الماضي هي بمنزلة الغموس أيضًا والصّحيح أنّه إن كان الرجل عالمًا يعرف أنّه يمين فإنّه لا يكفر به في الماضي والمستقبل.

[٤٢٣/ أ] وإن كان جاهلًا أو عنده أنه يكفر بالحلف يكفر في الماضي والمستقبل؛ لأنّه لما أقدم على ذلك الفعل، وعنده أنّه يكفر قد رضي بالكفر، وقد أمكن القول بوجوبه أي بوجوب الامتناع. كما نقول في تحريم الحلال، فإنّه موجب للكفارة عندنا، وعند الشّافعي (٤) -رحمه الله- لا يكون يمينًا إلا في النساء والجواري (٥)، ثم وجه تشبيه يمين أنّه إن فعله يهوديّ بتحريم الحلال. (أن معنى اليمين في تحريم الحلال يتحقّق بالقصد إلى المنع أو الإيجاب؛ لأنّ المؤمن يكون ممتنعًا عن تحريم الحلال، فإذا فعل ذلك بيمينه علامة فعله عرفنا أنّه قصد منع نفسه من ذلك الفعل، فكذا في قوله هو كافر إن فعل كذا لأنّ حرمة الكفر حرمة تامة مصمتة كحرمة هتك لحرمة اسم الله تعالى، فإذا جعل فعله علامة/ لذلك كان يمينًا) كذا في المبسوط. (٦)


(١) انظر: البناية (٦/ ١٣١).
هو خواهر زادة، محمد بن محمود بن عبدالكريم، الكردري، بدر الدين، أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري، الذي رباه أحسن تربية، ونشأ عنده نشأة طيبة، حتى بلغ من العلم والفضل، توفي سنة (٦٥١ هـ)
انظر: طبقات الفقهاء لكبري زاده ص (١٠٨)، الفوائد البهية للكنوي ص (٢٠٠).
(٢) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٣٤).
(٣) محمد بن مقاتل الرَّازيّ قاضِي الرّيّ. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٣٤)، ميزان الاعتدال (٤/ ٤٧)، لسان الميزان (٥/ ٣٨٨).
(٤) انظر: المجموع شرح المهذب (١٨/ ٤).
(٥) الجواري: جمع جارية وهي الأمة. انظر: المعجم الوسيط (١/ ١١٩)، تاج العروس (٣٧/ ٣٤٥)، (جرى).
(٦) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٣٥).