للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن زاد في «الذّخيرة» و «الجامع الصّغير» البرهاني (١) في قول أبي يوسف، (٢) وقال: إن لم يذكر لفظ العظم لكن شبهه بشيء عظيم أو صغير حقير إن كان له حدة يكون بائنًا، وإن لم يكن له حدة يكون رجعياً، فعلى هذا إن شبه برأس الإبرة تقع واحدةبائنة، عند أبي يوسف-رحمه الله-، وَبَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِثْلُ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ وَمِثْلُ الْجَبَلِ مِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ، عند أبي حنيفة-رحمه الله- خاصّة على تقدير أن يكون محمد مع أبي يوسف-رحمه الله- مثل عظم رأس الإبرة يكون نائنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمه الله- (٣) مثل الحبل يكون نائنا عند أبي حنيفة وزفر مثل عظم الحبل يكون نائنا بالإجماع (٤) [٣٣٣/ أ] المركب: فعند أبي حنيفة لوجود التّشبيه، وعند أبي يوسف لوجود ذكر العظم وعند زفر لكون الحبل عظيمًا عند النّاس (٥) والله أعلم بالصّواب.

فصل في الطّلاق قبل الدّخول

لما كان وضع النكاح للدّخول كان الطّلاق بعد الدّخول جرياً على الأصل، والطّلاق قبل الدّخول بمنزلة العارض فقدم الأصل على العارض، ثمّ شرع في بيان العوارض، فإنّ له أحكاماً تخصه فلذلك فصل بفصل على حدة.

قوله -رحمه الله-: لِأَنَّ الْوَاقِعَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا، إنّما ذكر هذا ردّ لقول من يقول أن قوله: أنت طالق عامل بنفسه فيقع، والمرأة غير مدخولة، فيلغوا ذكر الثّلاث؛ لأنّها بانت لا إلى عدة، فقال: لا بل الواقع ذكر العدد إذا كان العدد مقرونًا بقوله: أنت طالق، لما أنّ قوله: ثلاثاً، عدد والمرأة ليست بمتعدّدة.

وإنّما المتعدّد ما يدل عليه قوله: أنت طالق، وهو الطّلاق فصار كأنّه قال: أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًاثلاثاً، وكان الواقع في الحقيقة هو المصدر الموصوف بالثّلاث، وقال في «المبسوط» (٦): وهذا عندنا، وهو قول عمر وعلي وابن عبّاس وأبي هريرة -رضي الله عنهم-، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: يقع واحدة بقوله، طالق، فيبين لا إلى عدة، وقال: ثلاثاً، يصادفها وهي أجنبيّة فلا يقع به شيء، كما لو قال لها: أنت طالق وطالق وطالق، ولكنّا نقول: الطَّلَاقُ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ فَالْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ، لأنّ الموضع هو العدد وإذا صرّح بذكر العدد كان هو العامل دون ذكر الوصف، ولهذا لو ماتت المرأة بعد قوله طالق، قبل قوله ثلاثاً لا يقع شيء، وهذا لأنّ الكلّ كلمة واحدة في الحكم، فإن إيقاع الثلاث لا يتأتى بعبارة أوجز من هذا، والكلمة الواحدة لا يفصل بعضها عن بعض بخلاف قوله: طالق وطالق وطالق؛ لأنّها كلمات متفرّقة فإن فرق الطّلاق بانت بالأولى، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، وكذا لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، وإنّما يفترق الحكم بين ذكر الواو وعدمه إذا كان في آخره شرط أو استثناء (٧).


(١) شرح الجامع الصغير للشيباني، المؤلف الامام برهان الدين مازه، والكتاب في الفقه الحنفي وهو غير مطبوع.
(٢) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٥١).
(٣) يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٣٦)، الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٣٠).
(٤) يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٣٦)، الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٣٠).
(٥) يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٣٦)، الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٣٠).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٨، ٨٩).
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٨، ٨٩).