للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في «الإيضاح» (١): إذا قال أنت طالق طالق إن دخلت الدّار، وهي غير مدخول بها، بانت بالأولى ولم يتعلّق الثّانية، وإن كان معطوفاً؛ نحو: إن قال: وطالق إن دخلت الدّار، وفطالق إن دخلت، تعلقاً جميعًا بالدخول؛ لأنّ قوله: أنت طالق، من حيث أنّه جزاء الكلام قاصر يحتاج إلى ذكر الشّرط ليتمّ الكلام يمينًا.

فيتوقّف الأول والثّاني على ذكر الشّرط، فتعلّقا به دفعة واحدة فإذا لم يوجد حرف العطف.

والثّاني: صار فاصلاً بين الأوّل وبين ما ذكر من الشّرط بعده فكان تنجيزًا، وكذا إذا قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة، وقعت واحدة؛ لأنّها بانت بالأولى، وعند مالك

-رحمه الله- (٢) تطلق ثلاثاً؛ لأنّ الواو للجمع وجمعه بين التّطليقات بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، بأن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً.

ولكنّا نقول الواو للعطف، فلا يقتضي جمعًا وليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله؛ لأنّ موجب أوّل الكلام وقوع الطّلاق وهو واقع سواء أوقع الثّانية والثالثة أو لم يوقع، فتَبِيْن بالأولى، كما تكلّم بها ثمّ تكلّم بالثّانية وهي ليست في عدّته، وهذا بخلاف ما لو ذكر شرطًا أو استثناء في آخر الكلام؛ لأنّ في آخره ما يغير موجب أوّله فيوقف أوّله على آخره كذا في «المبسوط» (٣).

فإن قلت: هذا الذي ذكرته هو أنّ الواو للعطف، فلا يقتضي توقف أوّل الكلام على آخره إذا لم يكن في آخره ما يغيّره من الشّرط والاستثناء، فيقع الأولى دون الثّانية منقوض بما إذا قال لها - وهي غير مدخولة -: أنت طالق واحدة ونصفاً، وبقوله: أنت طالق أحدًا وعشرين فإنّ في الأولى تقع الثنتان وفي الثّانية تقع الثّلاث، وفي هاتين الصّورتين ذكر الكلام بالواو العاطفة وليس في آخره ما يغيره، ومع ذلك يوقف أوّل الكلام على آخره حتّى وقع الثنتان أو الثلاث في حق غير المدخول بها.

قلت: القياس ما ذكرت أولاً، وهو أن لا يتوقّف أوّل الكلام على آخره إذا لم يكن في آخره ما يغيره، فيقع الواحدة في هاتين الصورتين - أيضاً - وهو قول زفر.

لأنّ المراد من نصف التّطليقة كمالها، فكأنّه قال: أنت طالق واحدة [٣٣٣/ ب] وواحدة ولكنّا نقول هذا كلّه ككلام واحد معنى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ بِعِبَارَةٍ أَوْجَزَ مِنْ هَذِهِ فَإِنَّ لِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عِبَارَتَيْنِ، إمَّا هَذِهِ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ إلَّا نِصْفٌ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ،، وهذا معلوم في نفسه فهو أولى العبارتين، بخلاف قوله واحدة وواحدة فإنّهما عبارتان؛ لأن الاثنتين عبارة أوجز من هذا، وهي أن يقول: ثنتين، وكذلك لو قال: أنت طالق أحدًا وعشرين، عندنا تطلق ثلاثاً، لأنّه ليس لهذا العدد عبارة أوجز من هذا، فكان الكلام واحدًا معنى وعند زفر يطلق واحدة؛ لأنّهما كلامان أحدهما معطوف على الآخر، فتبين بالأولى، وإن قال أحد عشر يطلق ثلاثاً بالاتفاق؛ لأنّه ليس بينهما حرف العطف فكان الكلّ واحداً - كذا في «المبسوط» (٤) -.


(١) ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٤٤).
(٢) ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي (٤/ ٤٩).
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٣).
(٤) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٣٤).