للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَالقِيَاسُ: أَنْ لا يَجِبَ شَيْءٌ (١) قال في «الذَّخيرة»: وهو قول زفر.

وفي «المبسوط» ثم القياس في الجنين أحد شيئين:

إمِّا أن لا يجب فيه شيء؛ لأنَّه لم تعرف حياته وفعل القتل لا يتحقق إلا في محل هو حي والضَّمان بالشك لا يتحقق، ولا يقال الظَّاهر أنه حي أو معد للحياة؛ لأنَّ الظَّاهر حجَّة لدفع الاستحقاق دون الاستحقاق به، ولهذا لا يجب في جنين البهيمة (٢) إلا نقصان الأم إن تمكن فيها نقصان وإن لم يتمكن لا يجب شيء.

والقياس: أن يجب كمال الدية؛ لأنَّ الضَّارب منع حدوث صفة الحياة فيه فيكون كالمزهق للحياة، وفيما يلزمه من البدل كولد المغرور فإنَّه حرٌّ بالقيمة لهذا المعنى؛ أنَّه منع حدوث الرق فمنه (٣) ثم الماء في الرَّحم ما لم يفسد فهو مُعتَّد للحياة فيجعل كالحي في إيجاب الضَّمان بإتلافه كما يجعل بيض الصيد في حق المحرم كالصَّيد في إيجاب الجزاء عليه بكسره ولكنَّا تركنا القياس بالسُّنَّةِ وهي حديث حمل بن مالك على ما يجيء (٤).

وفي «الجامع الصَّغير» للإمام المحبوبي: حكي أن رجلاً سأل زفر عن هذه المسألة فقال زفر: فيه غرة عبد أو أمة فقال السَّائل: ولم والحال لا يخلو: إمَّا إن كان عُدِمَ الرُّوح بموته بضربةٍ أو ليس من ضربة بأن لم تُنفخ فيه الرُّوح فإن مات من ضربةٍ تجب دية كاملة، وإن كان عُدِمَ الروح لا من ضربة لا يجب شيء فسكت زفر، فقال له السائل: أعتقتك سائبة، فجاء زفر إلى أبي يوسف فسأله عنه فأجابه أبو يوسف بمثل ما أجاب زفر فحاجَّهُ بمثل ما حاجَّه السَّائل فقال: التعبد التعبد، أي: ثابت بالسُّنَّة من غير أن يدرك فيه بالعقل (٥).

[[مقدار دية الجنين]]

(رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -عليه السلام- قَالَ: «فِي الجَنِينِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَو أَمَةٌ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» (٦) (٧).


(١) الهداية شرح البداية (٤/ ١٨٩).
(٢) البهيمة: كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، أو كل حي لا يميز فهو بهيمة والجمع: بهائم. يُنْظَر: القاموس المحيط (١/ ١٣٩٨)، المصباح المنير (١/ ٦٥).
(٣) كذا في (أ)، والصواب (فيه) وهكذا جاءت في المبسوط، وهي الموافقة لسياق الكلام.
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٨٧).
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ٣١٥، ٣١٦).
(٦) رواه الطبراني في المعجم الكبير (١/ ١٩٣)، في (باب في الدية)، برقم (٥١٤)، بلفظ: «فيه غرَّةٌ عَبدٌ أو أمَةٌ أو خمسمائة». والحديث في الصحيحين عن أبي هريرة وليس فيه ذكر الخمسمائة، رواه البخاري (٦/ ٢٥٣٢)، في (كتاب الديات)، في (باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد)، برقم (٦٥١١) عن أبي هُرَيرَةَ أنَّ رسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- «قضَى في جنِينِ امرَأَةٍ من بنِي لَحيَانَ بِغُرّةٍ عَبدٍ أو أمَةٍ ثمَّ إنَّ المَرْأَةَ التي قضَى عليها بِالغُرَّةِ تُوُفِّيتْ فقَضَى رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ مِيراثَهَا لِبنِيهَا وَزَوجِهَا وأَنَّ العَقْلَ على عصَبَتِهَا». ورواه مسلم (٣/ ١٣٠٩)، في (كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات)، في (باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني) برقم (١٦٨١) عن أبي هرَيْرَةَ أنَّهُ قال: «قضَى رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم في جَنينِ امرَأَةٍ من بَني لَحيَانَ سقَطَ مَيّتًا بِغرَّةٍ عَبدٍ أو أمَةٍ ثمَّ إنَّ المَرْأَةَ التي قضِيَ عليها بِالْغرَّةِ توُفِّيَتْ فقَضَى رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم بأَنَّ ميرَاثَهَا لبَنِيهَا وَزَوْجهَا وأَنَّ العَقْلَ على عَصَبَتهَا». قال أبو عِيسى: حدِيثُ أبي هُريْرَةَ حدِيثٌ حسَنٌ صحِيحٌ والْعَمَلُ على هذا عنْدَ أهْلِ الْعلْمِ، وقال بعْضُهُمْ: الْغُرّةُ عبْدٌ أو أمَةٌ أو خمسمائة دِرْهمٍ، وقال بعْضُهُمْ: أو فرَسٌ أو بغْلٌ.
(٧) الهداية شرح البداية (٤/ ١٨٩).