للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولو أَكَلَ بعدَما اغتابَ) إلى قولهِ: كيفَ ما كانَ، أيْ: سواءً بلَغَهُ الحديثُ أو لمَ يبلغْهُ، وسواءً عرفَ تأويَلهُ أو لمْ يعرفْ، وسواءً أفتاهُ مُفِتي بالفسادِ أو لم يفْتِ (١).

وفي «المَبْسُوط» (٢): فظنَّ أنَّ الغيبةَ فطَّرتْهُ فأَكَلَ بعدَ ذلك مُتعمدًا فعليهِ القضاءُ، والكفارةُ سواءً اعتمدَ حديثًا أو فتوى (٣)؛ لِأَنَّ هذا الظنَّ، والفتوى في غيرِ موضعهِ؛ إذ لا خلافِ بينَ العُلماءِ أنَّ الصَّوْم لا يفسدُ بهذا (٤)، والفتوى بخلافِ الإجماعِ غير معتبرةِ (٥)، والحديثُ هو قولُهُ -عليه الصلاة والسلام-: «يُفَطِّرْنَ الصائِمَ، وَيْنقُضْنَ الوُضوءَ، ويَهْدِمْنَ العَقْلَ؛ الغيبةُ والنميمةُ، والنظرُ إلى محاسنِ المرأةِ» (٦)، كذا ذكرهُ الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله-، وقال فَخْرُ الْإِسْلَام في «الجامع الصغير»: والحديثُ الواردُ فيه أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قالَ: «الغيبةُ تُفِطِّرُ الصائِمَ» (٧)، وهو قولٌ بالإجماعِ (٨).

[[مسألة جماع النائمة والمجنونة]]

وإذا جُومِعَتُ النائمةُ أو المجنونةُ، وهي صائمةٌ عليها القضاءُ (٩)، أمّا صومُ النائمةِ فظاهِرٌ (١٠)، وأمّا المجنونةُ فقد تكلموا في صِحَّةِ صَوْمِها، فإنَّ صِحَةَ الصَّوْم لا تجامعْ المجنونةَ، وحكى عن أبي سليمانَ الجرجاني (١١) قالَ: لما قرأْتُ على مُحَمَّد هذهِ المسألةُ قلْتُ لهُ: كيفَ تكونُ صائمةً وهي مجنونةٌ؟ (١٢) فقالَ لِي: دعْ هذا فإنهُ انتشرَ في الأُفْقِ من المشايخِ مَنْ قالَ كأنهُ كتبَ في الأصلِ، وهي مجبورةٌ فظَنَّ الكاتبُ أُنها مجنونةٌ (١٣)، ولهذا قالَ دَعْ، فإنهُ انتشرَ في الأُفقِ، وأكثرُ المشايخِ قالوا: تأويلُهُ إذا كانتْ عاقلةً بالغةً في أولِّ النِّهارِ، ثُمَّ جَنَّتْ (١٤)، كذا ذكره المحبوبي.


(١) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧٨).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٤٤).
(٣) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٦٢)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١٦).
(٤) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٨٤)، البناية (٣/ ١١٠).
(٥) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (٤/ ٢٢)، المستصفى (ص: ٣٤٣)،
(٦) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال (٢٣٨١٣ - ٨/ ٤٩٧)، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة (٢/ ٩٠)، وابن الجوزي في الموضوعات (٢/ ١٩٥).
(٧) أخرجه الربيع بن حبيب في مسنده بسنده إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- (١/ ٥٨)، قال الزيلعي في نصب الراية عن أحاديث إفطار الصائم بالغيبة (٢/ ٤٨٢): وورد في ذلك أحاديث كلها مدخولة ا. هـ.
(٨) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١٦)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٠).
(٩) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٣٠)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩١).
(١٠) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٥٤)، الهِدَايَة (١/ ١٣٠).
(١١) هو: داود بن سليمان أبو سليمان الجرجاني مولى قريش، سكن بغداد، وحدث بها عن سليمان بن عمرو النخعي، وعمرو بن جميع، والنضر بن إسماعيل. روى عنه أحمد بن الضحاك الخشاب، وذكر أنه سمع منه في الرصافة، وأبو الأحوص مُحَمَّد بن نصر المخرمي، وأحمد بن مهران بن خالد الأصبهاني، وأبو بكر بن أبي الدنيا.
يُنْظَر: تاريخ بغداد (٨/ ٣٦٦)، ميزان الاعتدال (٢/ ٨).
(١٢) يُنْظَر: العناية (٢/ ٣٨٥)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٤).
(١٣) يُنْظَر: البناية (٣/ ١١١).
(١٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٨٠).