للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إذا أبق العبد صار محجورًا]

وقال في «المبسوط» (١) زفر (٢) مكان الشافعي (٣)، (وقال زفر (٤): لا يصير محجورًا عليه بالإباق؛ لأن صحة الإذن باعتبار ملك الموْلَى، وقيام رأيه ولم يختل ذلك بإباقه، والدليل عليه أن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن؛ فإن المحجور عليه إذا أَبَق فأذِن له الموْلَى في التجارة وعلم به العبد كان مأذونًا، وما لا يمنع ابتداء الإذن لا يمنع بقاءه بطريق الأولى؛ ولكنا نقول: لمَّا جعل دلالة الإذن كالتصريح به فكذلك دلالة الحجر كالتصريح بالحجر، وقد وُجدت دلالة الحجر بعد إباقه؛ لأن الظاهر أن الموْلَى إنما يرضى بتصرفه ما بقي تحت طاعته، ولا يرضى بتصرفه بعد تمرُّدِه وإباقه؛ ولهذا صح ابتداء الإذن بعد الإباق (٥)؛ لأنه يسقط اعتبار الدلالة عند التصريح بخلافه؛ توضيحه: أن الموْلَى لو تمكَّن منه أوجعه (٦) عقوبة على جزاء فعله، وحجر عليه، فإذا لم يتمكن منه جعله الشرع محجورًا عليه كالمرتد اللاحق بدار الحرب لو تمكن منه القاضي موَّته حقيقة بالقتل، وقَسَم ماله بين ورثته؛ فإذا لم يتمكن من ذلك جعله الشرع كالميت حتى يقسم القاضي ماله بين/ ورثته).

قوله (وصار كالغصب) معناه: لو أذن الموْلَى للعبد المغصوب يصحُّ، ولو غصب العبد المأذون لا يبطل الإذن، فهنا كذلك.

ولكن ذكر في «الذخيرة» (٧): وجواب الغصب على التفصيل؛ فقال: وأما الغصب هل يمنع ابتداء الإذن؟ فالجواب فيه على التفصيل: إن بقي للمالك إمكان الأخذ بأن كان الغاصب مُقِرًّا، وكان للمالك بيِّنة حاضرة عادلة لا يمنع ابتداء الإذن؛ لأنه إذا بقي له إمكان الأخذ كانت ولاية البيع في رقبته وكسبه من الغاصب ومن غيره قائمة، فيصح الإذن، فكذلك يبقى الإذن؛ وإن لم يبق للمالك إمكان الأخذ بأن كان الغاصب جاحدًا، ولم يكن له على ذلك بينة تمنع ابتداء الإذن؛ لزوال ولاية البيع في كسبه ورقبته، فيمنع بقاء الإذن أيضًا، وإن عاد العبد الآبق من الإباق هل يعود الإذن؟ لم يذكر محمد هذا التفصيل، والصحيح (٨) أنه لا يعود.


(١) للسرخسي (٢٥/ ٣٣).
(٢) في (أ) (في) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٣) قال الرافعي: (إن الإباق عصيان فلا يوجب الحَجْر، كما لو عصى السَّيد من وجه الآخر) العزيز (٤/ ٣٦٧).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٢٣)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٩).
(٥) قال الزيلعي: (وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ) انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٢١١).
(٦) في (أ) (أو حقه) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٩٧)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٢).
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٩٧)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٩)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٢).