للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مسألة انتقال الأرض بالشفعة]]

(فإنْ أخذها منه مُسلم) (١)، أي: فإنْ أخذَ الأرضَ الْعُشْرِيةُ التي اشتراها النصرانيُّ، مُسلم (بالشفعةِ)، (٢) أي: أخذَ مُسلمُ مِن النصراني بالشفعةِ كأنُه اشتراها، أي: كأنَ المسلمُ اشترى الأرض (٣) منِ المسلمِ لِتحُّولِ الصفقةِ إلى الشفيعِ فإن قُلْتَ: لو كانتْ صفقةُ البائعِ متحولةً مِن المشتري إلى الشفيعِ، وصارَ كأنَ الباِئعُ باعها مِن الشفيعِ، لما رَجَعُ الشفيعُ بالعيبِ إذا وَجَدَهُ على المشتري إذا قبضَها منِ المشتري.

قلتُ (٤): قال شَيْخِي -رحمه الله- (٥) في جوابِ هذه الشَّبهةِ: فلو كانَ هذا عقدًا جديدًا بيَّن المشتري، والشفيعُ لأَمْكَنَ البائعُ أخذَها بطريقِ الشفعةِ، ولم يكنْ عَلِمَ بهذا أنُه تحوّلَتْ الصفقةُ مِن المشتري إلى الشفيعِ/ وإنما لم يتمكنْ الشفيعُ بالردِّ بالعيبِ على البائعِ؛ لأنهُ لم يأخذْ منه حقيقةً، والعُهدةُ على مَنْ وَجَدَ الأخذَ منه، كما في الوكيلِ بالبيع، فإنه يَردَّ المشتري بالعيبِ على الوكيلِ لا على الموُكَّلِ لأِخذهِ مِنَ الوكيلِ حتى لو كان الشفيعُ أخذهُ مِن البائعِ، ثُمَّ وَجَدَ فيها عيبًا يردُّها على البائعِ لا على المشتري وأما الثاني فلأنهُ بالردِّ (جعل البيعَ كأنْ لم يكنْ) (٦)، وكذلك (لَوْرُدَّتْ على البائعِ) (٧) بخيارِ هذا إذا كانْ الردُّ بالعيبِ بقضاءِ قاضٍ، فإنها عادتْ عُشريةً كما كانتْ لِزوالِ المانعِ قَبْلَ تَقَررِهِ، وأمّا إذا رَدَّها بغيرِ قضاءٍ أو باعها مِن مسلمٍ أو أَسْلَمَ، فَهُوَ بقيتْ خراجتَهَ؛ لأَنَّ الإسلامَ لا يرفعُ الخراجَ (٨)، كذا ذَكَرهُ الإمامَ التُّمُرْتَاشِي -رحمه الله- (ولِأَنَّ حقَّ المسلم) (٩)، وهو البائعُ لكونه مُستحَقٌ الردَّ بفتح الحاء، وإذا كانَ لمِسلمٍ دارً خطَّها، فجعلها بُستانًا، فعليهِ الْعُشْرِ دارٌ خَطها بالإضافةِ للبيان، كما في خَاتم فِضَةٍ كذا كانَ مُقيدًا بقيدِ شَيْخِي -رحمه الله- (١٠) ويجوزُ نَصْبٌ بالتمييزِ عن اسمِ تامٍ بالتنوينٍ، كما في عندي رَاقود (١١) خَلَاْ، ثُمَّ إنما قيدَ بِقولهِ لمسلم لِيستقيَم ترتُيب جوابِ الْعُشْرِ، فإنَّهُ لو كانَ لكافرٍ دارٌ، (فجعلها بستانًا كان عليهِ الخراجُ) (١٢)؛ لأِنه ابتدأ وضع، والخراجُ أليقُ بالكافِر، وإنما قُيّدَ بالدارِ التي جعلها بَستانًا؛ ليبينَ أنّ الحُكْمَ الأصليَّ للشيءِ يتغيرُ بتغُيرِ صفِتهِ، فإنها لو بقيتْ دارِاً كَما كانتْ لم يكنْ فيها شيءٌ سواءً كان مالِكُها مُسلمًا أو ذِميًّا (١٣)، لما روي أنَّ عُمر -رضي الله عنه- حين وظّفَ الخراجَ، والجزيةَ سُِئلَ عن المساكنٍ؟ فقال: "المساكِنُ نحو كذا" (١٤)، ذَكَرَهُ الإمام الْمَحْبُوبِيّ -رحمه الله-.


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(٢) المصدر السابق.
(٣) في (ب): (اشترى الارض بها الشفعة من المسلم).
(٤) قلت: المقصود المؤلف السغناقي -رحمه الله-.
(٥) هو صاحب الهِدَايَة شيخ الإسلام برهان الدين أبي بكر الْمَرْغِينَانِي. انظر: الهِدَايَة (٤/ ٢٩).
(٦) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٩/ ٤٠٨).
(٩) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).
(١٠) يُنْظَر: المرجع السابق (١/ ١١١).
(١١) الراقُودُ: دَنٌّ طويل الأَسفل كهيئة الإِرْدَبَّة يُسَيَّع داخله بالقار وقيل الراقُود إِناءُ خزف مستطيل مقيَّر. (لسان العرب: ٣/ ١٨٣).
(١٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(١٣) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٥٨٠).
(١٤) لم أجد هذا الحديث في كتب التخريج سوى ماذكره أبو عبيد في كتاب الأموال ٧٣ وبدون سند، قال الزيلعي في نصب الرايه (غريب). يُنْظَر: نصب الرايه (٢/ ٣٩٤).