للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ فِي الاسْتِنْجَاءِ

اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ -رحمه الله- اتَّبَعَ الْإِمَامَ أَبَا الْحَسَنِ الْقُدُورِي -رحمه الله- فِي أَنَّهُ لَمْ يُورِدِ الاسْتِنْجَاءَ، عِنْدَ ذِكْرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ، فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (١)، مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى سُنَنِ الْوُضُوءِ؛ وَهُوَ أَيْضًا اتَّبَعَ مُحَمَّدًا فِيهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُورِدْ ذِكْرَ الاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ (٢) فَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ (٣).

قَالَ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْزَاذَه -رحمه الله-: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَمْرَ الاسْتِنْجَاءِ، وانَّهُ سُنَّةُ الْوُضُوءِ، كَسَائِرِ السُّنَنِ بَلْ هُوَ أَهَمُّ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَسَائِرُ السُّنَنِ مَشْرُوعَةٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ؛ الَّتِي (لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الاسْتِنْجَاءَ فَرْضٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّنَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ الاسْتِنْجَاءَ، مَعَ (٤) كَوْنِهِ أَهَمَّ السُّنَنِ).

مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ امْتِثَالًا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْوَى، لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ، وَالاسْتِنْشَاقَ، لَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ، وَمَعَ هَذَا ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ -رحمه الله- فِي الْكِتَابِ (٥).

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ نَذْكُرْهُ (٦) لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَرَادَ بِهَذَا الْوُضُوءِ، الْوُضُوءُ عَنِ النَّوْمِ لَا عَنِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالاسْتِنْجَاءِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ (٧) لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالْوُضُوءِ عَنِ النَّوْمِ، هَكَذَا جَاءَ (٨) عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (٩) وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا؛ عَطْفُ الْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ عَلَى آيَةِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ، الْوُضُوءُ عَنِ الْغَائِطِ؛ كَانَ تَقْدِيرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وانْتُمْ مُتَغَوِّطُونَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، ثُمَّ قَالَ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (١٠) وَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَقِيمُ.


(١) ذكر القُدُوري الاستنجاء تحت باب الأنجاس- والذي ورد بعد أبواب الطهارة والوضوء-، كما أنه ذكر أن الاستنجاء سنة فقط دون أن يضيف كلمة سنة إلي الوضوء. ينظر: "مختصر القُدُوري" ص: (٢١).
(٢) أتبع محمد بن الحسن أبواب الوضوء والتيمم، وأبوال البهائم، بابًا منفصلًا عن الاستنجاء. ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (١/ ٧٠).
(٣) (فيه): ساقطة من (ب).
(٤) من قوله: (لا تمنع) إلى هذا الموضع ساقط من (ب).
(٥) ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (١/ ٤).
(٦) في (ب): (يذكره)
(٧) (الوضوء)، ساقطة من (ب).
(٨) (جاء)، ساقطة من (ب).
(٩) ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ٢١٢).
(١٠) سورة النساء: آية (٤٣)