للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونادى: «ألا لا يطوفن بهذا البيت بعد هذا العام مشركٌ ولا عريان» (١)، ثُمَّ حج بنفسه، ومن ذلك أنه كان لا يستطيع الخروج وحده، بل يحتاج إلى أصحاب يكونون معه ولم يكن متمكنًا من تحصيل كفاية كل واحد منهم؛ ليخرجوا معه فلهذا أخره)، كذا في «المبسوط» (٢).

[الحرية والبلوغ شرطان للحج]

ثُمَّ ثَمَرة اختلافهم في أن الوجوب على/ الفور، أو على التراخي (٣) إنما يظهر في حق الإثُمَّ لا غير، لا في حق القضاء والأداء، ولا في حق نفي مشروعية التطوع لما عُرف في أصول الفقه.

(وإِنما شرط الحرية والبلوغ إلى آخره).

[الفرق بين الحج والصلاة والصوم]

فإن قلتَ: ما الفرق بين الصلاة والصوم وبين الحجّ من حيث المعنى في حق العبد حيث وجبت الصلاة والصوم عليه، ولم يجب الحجّ، مع أنَّ كلًّا منهما عبادة بدنية، ولا خلَفَ للحج يقوم مقامه في حق العبد بخلاف الجمعة؟

قلتُ - والكلام للمؤلف -: الفرق (٤) هو:

أحدهما: أن عبادة الحجّ لا يتأدى بدون المال غالبًا [أي: فاضلاً] (٥) من الزاد والراحلة، ولا كذلك الصلاة والصوم، والمال ملك المولى، فلا يتملك العبد المال، وإن ملك فلم يجب لعدم ملك ما يتوسل به، فكان هذا نظير الجهاد، فإن ذلك عبادة بدنية، ولكن لا يحصل هو بدون المال ظاهرًا من الكراع (٦) والسلاح، فلم يجب عليه الجهاد لذلك، فكذا هذا، بخلاف الفقير (٧)، فإن اشتراط الزاد والراحلة في حقه لليسر لا لإثبات أهلية الوجوب، فكان سقوط وجوب أداء الحجّ عن الفقير نظير سقوط وجوب أداء الصوم وصلاة الجمعة عن المسافر من حيث إن السقوط في كل منهم للترفيه (٨) [من الرفاهية وهي الواسعة] (٩)، فلذلك وجب على الفقراء بمكة، ولم يجب على العبيد الذين يسكنون مكة.


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٤] (٦/ ٦٥) برقم: [٤٦٥٧]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [لَا يَحُجُّ الْبَيْتَ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَبَيَانُ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ] (٢/ ٩٨٢) برقم: [١٣٤٧]
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ١٦٤).
(٣) سقطتا من (ج).
(٤) أي الفرق بين الحج والصلاة والصوم.
(٥) فاضلاً: ويقصد به الاستطاعة المالية لتحمل أعباء الحج.
انظر: مختار الصحاح، مادة فضل، (٢٦٤).
أثبته من (ج).
(٦) الكراع: معنى كَرَع في الماء أو الإناء، كَرْعاً، وكُرُوعاً: تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفَّيه ولا بإناء. وـ النَّخلَة وغيرها: كانت على الماء ولم يفارق أصلها الماء. فهي كارعة. وـ الوحشَ وغيره كَرْعاً: رماه فأصاب كراعه. (كَرِعَت) الساق ـَ كَرَعاً: دقَّت، أو دقّ مُقَدَّمها. وـ فلان: شكا كُرَاعها.
انظر: المعجم الوسيط/ مادة كرع، (٣/ ٤٥٨)، والكراع: اسم لجميع الخيل.
(٧) الفقير: من لاشي له، والمسكين: من له أدنى شئ وهو مروي عن أبي حنيفة.
انظر: البناية (٣/ ١٩٠).
(٨) والترفيه هنا من قبيل التيسير الديني.
انظر فقه العبادات الحج، (٤٣).
(٩) أثبته من هامش (ب).