للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الدِّيَات

[[مناسبة ذكر الديات عقب الجنايات]]

ذكر مسائل الدِّيات بعد ذِكر مسائل الجنايات التي توجب القصاص ظاهر التَّناسب لما أنَّ الدية إحدى مُوجَبَي الجناية؛ لأنَّ موجبيها القصاص والدية لكنَّه قدَّم أحكام القصاص على الديات، إما إشارة إلى أنَّ موجب القتل هو القصاص عيناً كما هو مذهبنا لكن للولي العدول إلى الدية (١)، وإمَّا لأنَّ معنى الإحياء والصيانة في إيجاب القصاص أكثر فقدَّم ما هو أكثر تصوُّناً به؛ لأنَّ الأصل هو الصيانة، وإمَّا لأنَّ وجوب الدية فيما كان فيه من العوارض كالخطأ أو في معنى الخطأ؛ فالعوارض مؤخرة عن الأصول فكذلك ما يتعلق بها من المسائل كانت مؤخَّرة عمَّا يتعلق من المسائل المتعلقة بالأصول.

[وأمَّا المحاسن] (٢) فهي المحاسن المذكورة في القصاص تذكر ههنا مع زيادة معنى إحياء القاتل ههنا، وهو إبقاؤه حيًا كما كان.

[[تعريف الدية]]

ثم الدية لغة: مصدر من ودى القاتل المقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النَّفس [بِمَ قتل] (٣) ثُمَّ قيل لذلك المال: الدية تسمية بالمصدر فكان التاء في آخرها عوضاً عن الواو في أولها كالعدة (٤) والعظة، وتقول في الأمر من يدي وديا دوا، ومنه الحديث: «قوموا فدوه» (٥) وأصل التركيب يدلُّ على معنى الجري والخروج منه، الوادي؛ لأن الماء يدي فيه، أي: يجري ويسيل (٦).

ثم اعلم بأنَّ القتل بغير (٧) حق: من أعظم الجنايات بعد الإشراك بالله تعالى [قال الله تعالى:] (٨) {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (٩) وذلك؛ لأنَّ في قتل النَّفس إفساد العالم ونقض البنية، ومثل هذا الفساد من أعظم الجنايات، ومعلوم أنَّ الجاني مزجور عن الجناية، إلا أنَّه لو وقع الاقتصار على الزَّجر بالوعيد في الآخرة ما انزجر إلا أقل القليل؛ فإنَّ أكثر النَّاس إنَّما ينزجرون عن مخافة العاجلة بالعقوبة وذلك بما يكون متعلقاً بالجاني أو محققاً (١٠) به، فَشَرَع الله القصاص والدية لتحقيق معنى الزَّجر وهذا الكتاب لبيان ذلك وقد سمَّاه محمَّد -رحمه الله- كتاب الديات (١١)؛ لأنَّ وجوب الدية بالقتل أعمَّ من وجوب القصاص؛ فإنَّ الدية تجب في الخطأ وشبه العمد وفي العمد عند تمكن الشبهة، وكذلك الدية تتنوع أنواعاً والقصاص لا يتنوع فلهذا رجَّح جانب الدية في نسبة الكتاب إليها [ههنا] (١٢) كذا في «المبسوط» (١٣).


(١) قال الإمام المرغيناني: وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل. يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨)، تبيين الحقائق (٦/ ٩٨)، تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٣١)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٢٩)، تكملة رد المحتار (١/ ٩٣).
(٢) سقط في (ب).
(٣) سقط في (ب).
(٤) العِدَّة لغة: الإحصاء؛ يقال: عددت الشيء؛ أي: أحصيته، مأخوذ من الحساب، والعد، وعدة المرأة: أيام أقرائها.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (١/ ٦٩)، مقاييس اللغة (٤/ ٢٩)، لسان العرب (٣/ ٢٨١)، أنيس الفقهاء (١٦٧).
واصطلاحاً: تربصٌ يلزم المرأة بزوال النكاح المتأكد.
يُنْظَر: فتح القدير (٤/ ٣٠٧)، تبيين الحقائق (٣/ ٢٦)، العناية شرح الهداية (٦/ ٩٥)، البحر الرائق (٤/ ١٣٨)، اللباب في شرح الكتاب (٢٨٨).
(٥) رواه الطبراني في المعجم الكبير (١/ ١٩٣)، في (باب في الدية)، برقم (٥١٤)، بلفظ: «قال: دوه».
(٦) يُنْظَر: المغرب في ترتيب المعرب (٢/ ٣٤٧)، أنيس الفقهاء (٢٩٢).
(٧) وفي (ب) (من غير).
(٨) كذا في (ب) وهي مثبتة في هامش (أ).
(٩) سورة المائدة من الآية (٣٢).
(١٠) وفي (ب) (محفا).
(١١) المبسوط؛ للشيباني (٤/ ٤٣٧).
(١٢) سقط في (ب).
(١٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ٥٨، ٥٩).