للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لأنه ينكر الزيادة) فإن قلت: ههنا شبهتان:

إحداهما: هي أنه جعل في مثل هذه الصورة القول قول البائع، وهي أنه إذا باع عبدين وقبضهما ومات أحدهما عند المشتري وجاء بالآخر يرده بالعيب فاختلفا في قيمة الميت كان القول هناك قول البائع، والمسألة تجيء في باب التحالف إن شاء الله.

والثانية: هي أنه جعل هذا الاختلاف في الحقيقة اختلافاً في الثمن، والاختلاف في الثمن يوجب التحالف لا الحلف فكيف أوجب ههنا؟.

قلت: أما الأولى فهي طرد لا نقض؛ لأنا جعلنا ههنا القول قول المشتري لإنكاره الزيادة، وهناك أيضاً القول قول البائع لإنكاره زيادة ما يدعيه المشتري، وذلك لأنهما لما اتفقا في وجوب الثمن، ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره، والقول قول (١) للمنكر.

وأما الثانية: فإن التحالف ورد على خلاف القياس فيما إذا كان الاختلاف في الثمن (٢) قصداً، وههنا وقع الاختلاف في الثمن ضمناً للاختلاف (٣) في الزقّ (٤) فلا يكون في معناه فلا يلحق به، والفقه فيه هو أن الاختلاف في الثمن ابتداء إنما أوجب التحالف ضرورة أن كل واحد منهما يكون مدعياً عقداً آخر، وأما الاختلاف في الثمن بناء على اختلافهما في الزق لا يوجب الاختلاف في البيع فلا يوجب التحالف لذلك.

[[أحوال بيع وشراء المسلم مع النصراني]]

وإذا أمر المسلم نصرانيًّا ببيع خمر أو شرائها ففعل جاز عند أبي حنيفة - رحمه الله- ويؤمر بالتصدق بالثمن، ويكره هذا التوكيل أشد الكراهة (٥)، كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله - أما لو وكل المسلم ذميًّا بهبة الخمر وبتسلمها لا يجوز؛ لأن أحكام العقد ترجع إلى الموكل فصار كالرسول، كذا ذكره الإمام الثمرتاشي - رحمه الله - لهما أن (٦) الموكل (٧) لا يليه فغيره لا يولية كالمسلم يوكل مجوسيًّا بأن يزوجه مجوسية حيث لا يصح بالاتفاق (٨).

(ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن العاقد هو الوكيل بأهليته إلى آخره) (٩).


(١) سقط من (ب).
(٢) سقطتا من (ب).
(٣) "لاختلاف" في (ب).
(٤) الزِّق: وعاء للشراب، وهو الجلد يجز شعره ولا ينتف نتف الأديم، والسقاء الْعَظِيم. ويسمى الزق أيضاً جحلاً. جمهرة اللغة (١/ ٤٣٩)، العين (٥/ ١٣).
(٥) "ابتداء الكرامة" زيادة في (ج).
(٦) "أنه" في (ب).
(٧) سقط من (ب).
(٨) المبسوط للسرخسي (١٢/ ٢١٦)، تبيين الحقائق (٤/ ٥٦).
(٩) قال في الهداية: "ولأبي حنيفة -رحمه الله- أن العاقد هو الوكيل بأهليته وولايته، وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي فلا يمتنع بسبب الإسلام كما إذا ورثهما، ثم إن كان خمراً يخللها وإن كان خنْزيرا يسيبه.
قال: "ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري، أو يدبره، أو يكاتبه، أو أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد"؛ لأن هذا بيع وشرط، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع وشرط" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٨١).