للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ.

فإن قيل: لو كان جعل لها الاختيار بتطليقة كان قوله هذا في التّقدير بمنزلة قوله: طلّقي نفسك، وقد ذكرنا أن قولها: أختر، لا يصلح جواباً لقوله: طلّقي نفسك.

قلنا: آخر كلامه لما صار تفسيراً للأوّل كان العامل هو المفسّر والمفسّر هو الأمر باليد والتخيير وقولها اخترت يصلح جواباً لذلك كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله- في «الجامع الصّغير» (١) والله أعلم.

[فصل في الأمر باليد]

لما ذكر باب تفويض الطّلاق، ذكر فصول أنواع التّفويض من الاختيار والأمر باليد، إلا أنّه قدم فصل الاختيار على غيره؛ لأنّ ذلك مؤيد بإجامعالصّحابة (٢) -رضي الله عنهم- اعلم أنّ الرّجل] إذا جعل (٣) أمر امرأته بيدها فالحكم فيه كالحكم في الخيار في سائر مسائله، إلا أنّ هذا صحيح قياساً واستحسانًا؛ لأنّ الزّوج مالك لأمرها فإنما يملكها بهذا اللّفظ ما هو مملوك له، فيصحّ منه، ويلزم حتّى لا يملك الرّجوع عنه اعتباراً بإيقاع الطّلاق، وإن نوى الأمر ثلاثاً كان كما نوى حتّى إذا طلقت نفسها ثلاثاً تطلق ثلاثاً؛ لأنّ هذا تفويض للأمر إليها، وهو يحتمل العموم والخصوص بخلاف قوله: اختاري، فإنّه أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العموم، وإن لم ينو الثلاث فهو واحدة بائنة، وعند ابن أبي ليلى (٤) هو ثلاث (٥)، ولا يصدق في القضاء إذا قال: نويت واحدة؛ لأنّه فوض إليها بهذا الكلام جنس ما يملكه عليها وذلك ثلاث، ولكنا نقول: التفويض قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، فإذا نوى الواحدة فقد قصد تفويضاً خاصاً، وهو غير مخالف للظّاهر، وكذلك إن نوى الطّلاق فقط؛ لأنّه لا يثبت به إلا القدر المتيقن عند الاحتمال.


(١) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٨٢).
(٢) أخره عَنْ الِاخْتِيَارِ لِتَأَيُّدِ التَّخْيِيرِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم- بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ فِيهِ إجْمَاعٌ. ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣٤٢)، والمغني لابن قدامة (٧/ ٤٠٩).
(٣) زيادة في (ب).
(٤) مُحَمَّدُ بنُ عبد الرحمن بن أَبِي لَيْلَى العَلاَّمَةُ الإِمَامُ مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَقَاضِيهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ الكُوْفِيُّ، قال القَاضِي أَبَا يُوْسُفَ: مَا وَلِيَ القَضَاءَ أَحَدٌ أَفْقَهُ فِي دِيْنِ اللهِ، وَلَا أَقرَأُ لِكِتَابِ اللهِ، وَلَا أَقْوَلُ حَقّاً بِاللهِ، وَلَا أَعفُّ عَنِ الأَمْوَالِ مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. توفي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَوَمائَةٍ. انظر: سير أعلام النبلاء (٦/ ٤٠٢)، الأعلام للزركلي (٦/ ١٨٩).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٢).