للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إن نوى ثنتين؛ لأنّ هذا نية العدد وهي لا تسع في هذا اللّفظ، فيكون واحدة ثانية - كذا في «المبسوط» (١) - كأنّها قالت: اخترت نفسي بمرة واحدة، وإنّما تصير مختارة بمرّة واحدة إذا وقع الثّلاث، وَهُوَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ، أراد بالأولى قوله: قد اخترت نفسي بواحدة، وفي الثّانية التّطليقة أراد بالثانية قوله: ولو قالت طلقت نفسي واحدة، وإنّما كان كذلك؛ لأنّ الواحدة صفة فلابدّ لها من موصوف، وهو محذوف، فوجب إثبات ذلك على حسب ما يدل عليه المذكور السابق، والمذكور السّابق في الأوّل قولها: اخترت فيجب إثبات الاختيارة التي يدل عليها اخترت.

وفي الثّالثة: يجب إثبات الطّلقة، وهي عبارة عن الواحدة، فيقع واحدة عن الواحدة فيقع واحدة.

فإن قيل: كما يجوز أن يراد بها الطلقة الواحدة، فكذا يجوز أن يراد بها المرّة الواحدة كما يقال ضربته ضربة.

ألا ترى إلى ما قالوا: لفعله للمرأة، والفعلة للحالة، والمفعل للمصدر، والمفعل للآلة، فلمَ كان إرادة ذلك أولى من إرادة هذا؟.

قلنا: إنما يراد به [المرة] إذا كانت مرتبة على فعل مصرف من مصدرها، كما في ضربته ضربة.

وأمّا إذا لم يكن فلا ومصدرها الطّلاق دون التّطليق، ثم لو أريد بها التّطليقة وقع التّعارض بين إرادة المرأة والتّطليقة فإثبات التّطليقة أولى لكونها منتفياً بها، إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية» (٢).

قوله -رحمه الله-: (وقد حقّقناه من قبل) إشارة إلى قوله: في فصل الاختيار (لا يتنوع لم يدخل فيه اللّيل) وفائدته تظهر في موضعين:

أحدهما: أنّها لو اختارت نفسها في اللّيل لا يقع.

والثّاني: أنّها لو روت الأمر في اليوم فاختارت زوجها يبطل في ذلك اليوم خاصة، ولا يبطل أبدًا، بل يكون الأمر في يدها بعد الغد، والمسألة الثّانية: وهي قول: أمرك بيدك اليوم وغدًا، لما دخلت فيها اللّيلة خالفت هي هذه المسألة في هذا الحكمين؛ لأنّه صرّح بذكر وقتين بينهما وقت من جنسهما لم يتناوله الأمر وهو الغد، فإنّها لو اختارت نفسها في الغد لا تطلّق لأنّه لم يتناوله الأمر.

وإنّما ذكر قوله: من جنسها احترازاً عن قوله: أمرك بيدك اليوم وغدًا، فإنّه دخل فيه اللّيلة، وإن لم يكن من جنس اليوم والغد، لما أنّ المراد منه مد وقت واحد بيومين، فيدخل فيهما اللّيلة ضرورة، وإن لم يكن من جنسهما، وههنا لم يدخل الغد وإن كان من جنس اليوم، وبعد غد علم أنّ المراد منه تحديد الأمر لها في كلّ واحد من الوقتين المذكورين، معتبراً كلّ واحد منهما منفردًا لا متّصلاً، ويذكر اليوم بعبارة الفرد لا يدخل فيه اللّيل: وقال زفر (٣) هما أمر واحد وكذلك لو قال: اليوم ورأس الشّهر؛ لأنّه عطف أحد الوقتين على الآخر من غير تكرار لفظ الأمر، فيكون أمراً واحداً، كما في قوله: (اليوم وغدًا)، ولكنا نقول: أحد الوقتين المذكورين ههنا غير متّصل بالآخر، بل بينهما وقت غير مذكور لا يثبت فيه حكم الأمر، فعرفنا أنّه ليس المراد بذكر الوقت الثاني امتداد الأمر الأوّل، فاقتضى ضرورة إيجاب أمر آخر، فأمّا إذا قال وعداً فأحد الوقتين متّصل بالوقت الآخر، فكان ذكر الغد لامتداد حكم الأمر، فلا يثبت به الأمر الآخر إذ لا ضرورة فيه - كذا في «المبسوط» (٤) -، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُهُ؛ أي: يحتمل التأقيت فلما يوقت الأمر باليوم الأوّل، وانقطع مجيء الغد لم يعد الانقطاع إلا بتحديد الأمر، فاقتضى ذكر ما بعد الغد بسبب العطف على اليوم أمراً آخر، فصار كأنه قال: نايباً أمرك بيدك بعد غد فيكون الأمر في يدها بعد الغد.


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٢).
(٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٢).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٣).
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٣).