للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الطّلاق فلا يحتمل التّأقيت حتّى ينقطع بمضي اليوم، فبقي الوصف في بعد الغد بطلاق واحد، فلم يقتض واقعًا آخر- كذا في «مبسوط فخر الإسلام» رحمه الله-؛ لأنّها لا تملك ردّ الأمر، كما لا يملك ردّ الإيقاع، معنى هذا الكلام هو أنّه ليس للمرأة أن تردّ الأمر باليد الذي صدر من زوجها، كما ليس لها أن ترد وقوع الطّلاق الذي أوقعه زوجها عليها بقوله: أنت طالق؛ أي: ليس للمرأة أن ترد الأمر باليد الذي صدر من زوجها كما ليس لها أن ترد وقوع الطّلاق الذي أوقعه زوجها عليها بقوله: أنت طالق أي: ليس للمرأة أن تقول لا أقبل الأمر باليد، بعدما قال لها الزّوج: أمرك بيدك، فإن الأمر باليد يثبت لها إذا قال الزّوج: أمرك بيدك من غير قبول منها، كما يثبت إيقاع الطّلاق عليها إذا قال الزّوج لها: أنت طالق من غير قبول منها.

فإذا كان كذلك كان الأمر باقياً في الغد كما كان فكان لها أن تختار نفسها غدًا، وذكر الإمام شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- في «الجامع الصّغير» (١) في هذا الموضع، ولو اختارت زوجها اليوم بأن ردّت الأمر لم يكن لها أن تختار نفسها غدًا، إلا في رواية عن أبي حنيفة (٢)

-رحمه الله-، ذكره الكرخيّ -رحمه الله- أنّ لها أن تختار نفسها غدًا، وجعل ردها الأمر في اليوم بمنزلة قيامها عن المجلس إذ اشتغالها بعمل آخر، فيكون لها أن تختار نفسها غدًا، وكأنه ذهب إلى أنّها لا تملك ردّ الإيقاع.

ألا ترى أنّه لا يتوقت ضرورة الأمر في يدها على قبولها.

فكذلك لا يريد بردها - وجه ظاهر الرواية- أنّ الوقت المذكور ههنا بمنزلة المجلس في قوله: أمرك بيدك مطلقاً، وهناك لو اختارت زوجها خرج الأمر عن يدها، وإن بقي المجلس فههنا إذا اختارت زوجها يخرج الأمر من يدها أيضاً؛ وهذا لأنّ لها الخيار بين أن يختار نفسها بإيقاع الطّلاق وبين أن تختار زوجها يرد الأمر، ولو اختارت نفسها طلقت، ولم يبق لها خيار في الغد، فكذلك إذا اختارت زوجها قلنا لا يبقى لها الخيار في الغد.

وعن أبي يوسف (٣) -رحمه الله- أنّه إذا قال: أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدًا أنّهما أمان، حتّى إذا اختارت زوجها اليوم ثم جاء الغد صار الأمر في يدها، جعل شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- (٤) هذه الرواية صحيحة، فقال: وهو صحيح، لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ لِكُلِّ وَقْتٍ خَبَرًا عرفنا أنّه لم يرد اشتراك الوقتين في خبر الواحد، وجعل الإمام قاضي خان -رحمه الله- هذه الرّواية أصل الرواية (٥)، ولم يذكر فيه خلاف أحد، ثم قال: وروى ابن سماعةعن محمّد -رحمه الله-: لو قال لها: أمرك بيدك اليوم، كان الأمر بيدها إلى غروب الشّمس، ولو قال: أمرك بيدك في اليوم، فقامت عن مجلسها بطل وهو على ما ذكرنا من الأصل في قوله: (أنت طالق غدًا أنت طالق في غد)، فَيَحْمِلُ الْيَوْمَ الْمَقْرُونَ بِهِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، أي: اليوم المقرون بالأمر باليد، ولما لم يعلم بالقدوم حتّى غربت الشّمس، فإنّما علمت بعد انقضاء مدّة الأمر فلا يبقى الأمر في يدها، كما جعل أمرها بيدها غدًا وهي غائبة، كان لها الخيار إذا علمت، قال: طلقت نفسها قبل العلم لم يطلق، في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- لأنّ أوامر الشّرع لا تلزم بدون العلم فأوامر العباد كان أولى أن لا تثبت كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله-.


(١) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٣٨٦)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١١٦).
(٢) يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١١٦)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٣٢٧)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣٤٨).
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٣)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٩٢).
(٤) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٣)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٩٢).
(٥) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٣)، والعناية شرح الهداية (٤/ ٩٢).