للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولا يجب بسبب التأخير شيء على ما قلنا).

وهو قوله (لهما أن ما فات مستدرك بالقضاء)، ولا يجب مع القضاء شيء آخر، والله أعلم.

[فصل في جناية الصيد]

لما أراد بيان جنس آخر من الجنايات في الإحرام، وهو الجناية على الصيد، أتى بفصل آخر متصلًا به لوجود معنى الاتصال من حيث الجناية، ومعنى الانفصال من حيث المغايرة في النوع الخاص.

(اعلم أنَّ صيدَ البرِ محرمٌ على المحرم).

أي: سواء كان مملوكًا أو مباحًا؛ لأن اسم الصيد عام لا يتبدل بالحكم الشرعي، وهو الملك.

(وصيد البحر ما يكون توالده، ومثواه في الماء).

وأما ما يأوي البحر، ويتوالد في البر فهو من صيد البر، وما يتوالد في البحر، ويكون في البر كالضفدع (١) فهو من صيد البحر؛ لأن التوالد هو الأصل [والكينونة] (٢) بعد ذلك أمر عارض، فيعتبر الأصل كذا في «الإيضاح» (٣).

[تعريف الصيد]

(والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة).

قيد بالممتنع، وهو الذي يمنع نفسه عمن قصد إليه إما بقوائمه الأربع أو بجناحيه احترازًا عن الدجاج، والبط الأهلي.

وقيّد بالمتوحش في أصل الخلقة ليدخل فيه الحمام المسرول، والظبي (٤) المستأنس، ويخرج الإبل والغنم المستوحشة لما أن التوحش أصلي في الحمام المسرول والظبي، والاستئناس عارض، وبالعارض لا يتبدل حكم الأصل، وفي الإبل المستوحشة انعكس الحكم لانعكاس العلة، فإن الاستئناس فيها أصلي، والتوحش عارض، فلا يثبت لها حكم الصيد باعتبار العارض، ولا ينتقض هذا بالجرح الاضطراري في حقها كما في الصيود؛ لأنّا نقول: الذبح الاضطراري غير مختص بالصيد، فإن ذلك دائر بالضرورة لا بالصيدية حتى أن الشاة، أو البعير إذا وقعت في البئر، فلم يمكن ذبحه، فإن هناك يقوم الجرح مقام الذبح، وهو ليس بصيد، وإذا أخذ الصيد، وهو حي لا يحل بدون الذبح الاختياري، كذا في «الإيضاح» (٥)، وغيره. والدلالة: ليست بقتل؛ لأن القتل فعل متصل من القاتل بالمقتول، فأما الدلالة والإشارة، فغير متصلة بالمحل، وهو الصيد، والحكم الثابت بالنص لا يجوز إثباته فيما ليس في معنى المنصوص، فأشبه دلالة الحلال حلالًا، فإن الحلال إذا دل الحلال على صيد الحرم فقتله المدلول كان الجزاء مقتصراً على القاتل، ولا يكون على الدال شيء للمعنى الذي قلنا.


(١) الضفدع: حيوان برمائي، ذو نقيق، وضفدع الماء أو المكان: كثرت ضفادعه، وهو على نوعين: ضفادع خضراء، وضفادع بنية.
انظر: المعجم الوسيط (١/ ٥٤٣).
(٢) أثبته من (ب) وفي (أ): الكسوة. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته كتب شروح الفقه.
(٣) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ٢٠٥)، العناية شرح الهداية (٣/ ٦٦).
(٤) الظبي: جنس من الحيوانات، من ذوات الأظلاف، المجوفات القرون، يستلذ الحنظل ويشرب الماء المالح.
انظر: المعجم الوسيط (٢/ ٥٨١).
(٥) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٦٦).