للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: [في الغسل] (١)

قدّم الغسل لأنّه (٢) أوّل ما يُصنع بالميّت هذا، ثم اعلم بأن غسل الميت حق واجب على الأحياء بالسنة، وإجماع الأمة، ونوع من المعنى (٣).

أمّا السّنة فما روى أُبي بن كعب - رضي الله عنه - (٤) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنّ آدم - صلى الله عليه وسلم - لما حضرته الوفاة نزلت الملائكة بحنوطه، وكفنه من الجنة، فلما مات غسّلوه بالماء، والسدر ثلاثًا، وكفّنوه [هذه] (٥) في وتر من الثياب، وصلّوا عليه عند البيت، وأَمّهم جبرائيل - صلى الله عليه وسلم -، وقال: هذه سنة ولد آدم من بعده» (٦)، وإجماع الأمة على هذا (٧).

[١٥٤/ أ] وأمّا المعنى: فهو أنّ الميت في صلاة الجنازة بمنزلة الإمام للقوم، فإنّه لا تجوز الصلاة بدونه، ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الجنازة سنة متبوعة» (٨)، ولهذا شرط تقديمه على القوم كالإمام، وطهارة الإمام شرط لجواز صلاة القوم، فكذا طهارة الميت، ولأن ما بعد الموت حال عرض على الله، ورجوع إليه فوجب تطهيره بالغسل تعظيمًا لله سبحانه، ولهذا سنّ غسل الكافر،/ وإن كان لا يُصلّى عليه تعظيمًا لله؛ لأنه حال رجوع إلى الله، وبه وردت السنة في حق الكافر من حديث أبي طالب، ثم اختلف المشايخ -رحمهم الله- أنّه لا يرى علة وجب غسل الميت. قال أبو عبد الله الثلجي (٩)، (١٠) [أنّه] (١١) إنما وجب غسله لأجل الحدث لا لنجاسته تثبت بالموت، وذلك؛ لأن النجاسة التي ثبتت بالموت لا تزول بالغسل كما في سائر الحيوانات، والحدث مما (١٢) يزول بالغسل حالة الحياة، فكذا بعد الوفاة، والآدمي لا ينجس بالموت كرامة له، ولكن يصير محدثًا؛ لأن الموت سبب لاسترخاء المفاصل، وزوال العقل قبل الموت، وأنّه حدث، فكان يجب أن يكون مقصورًا على أعضاء الوضوء كما في حال الحياة، إلا أنّ القياس في حالة الحياة غسل جميع البدن في الحدث كما في الجنابة فاكتفى بغسل الأعضاء الأربعة نفيًا للحرج؛ لأنه يتكرّر في كلّ يوم، والجنابة لما لم تتكرر لم يكتف بغسل الأعضاء الأربعة، فكذا الحدث بسبب الموت لا يتكرّر، فلا يؤدّي غسل جميع البدن إلى الحرج، فأخذنا بالقياس، وكان الشيخ أبو عبد الله الجرجاني -رحمه الله (١٣)، وغيره من مشايخ العراق (١٤) يقولون: بأنّ غسله وجب لنجاسة الموت لا بسبب الحدث، وذلك؛ لأن الآدمي له دم سائل، فتنجس بالموت قياسًا على سائر الحيوانات التي لها دم، والدليل على أنّه ينجس بالموت أن المسلم إذا وقع في بئر، ومات، فإنّه يجب نزح ماء البئر كله (١٥).


(١) [ساقط] من (ب).
(٢) في (ب): " لما أنه ".
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ١/ ١٠٥.
(٤) أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، أبو المنذر: صحابي أنصاري. قديم الإسلام، وكان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود، مطلعًا على الكتب القديمة، يكتب ويقرأ - على قلة العارفين بالكتابة في عصره - ولما أسلم كان من كتاب الوحي. مات بالمدينة سنة ٢١ هـ. وله في الصحيحين وغيرهما ١٦٤ حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٥، الإصابة في تمييز الصحابة: ١/ ٢٧، تهذيب الكمال: ٢/ ٢٦٢.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) أخرجه ابن المنذر في «الأوسط في السنن والإجماع» (٥/ ٣٧٠ - ٣٠٠٤)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه. وقال: قال أبو بكر: الحسن لم يسمع من أبي بن كعب، ومحمد بن ميمون الذي روى هذا الحديث عن الحسن مجهول، وقد روي هذا الحديث بأحسن من هذا الإسناد غير مرفوع.
(٧) ينظر: شرح فتح القدير: ٢/ ١٠٥.
(٨) أخرجه الشافعي في «مسنده» ت السندي (ص ٦١٩)، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما.
(٩) في (ب): " البلخي ".
(١٠) سبق ترجمته (ص ١٣٧).
(١١) [ساقط] من (ب).
(١٢) في (ب): " كما ".
(١٣) يوسف بن علي بن محمد الجرجاني، أبو عبد الله، تفقه على أبي الحسن الكرخي، كان عالمًا تفقه على أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه، ومن تصانيفه: خزانة الأكمل فى ست مجلدات. ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ٢٢٨، معجم المؤلفين: ١٣/ ٣١٩.
(١٤) العراق: ناحية مشهورة، وهي من الموصل إلى عبادان طولًا، ومن القادسية إلى حلوان عرضًا. أرضها أعدل أرض الله هواء وأصحها تربة وأعذبها ماء. وهي كواسطة القلادة من الاقليم، وأهلها أصحاب الأبدان الصحيحة والأعضاء السليمة، والعقول الوافرة والآراء الراجحة وأرباب البراعة في كل صناعة. والغالب عليهم الغدر لكثرة الأشرار ومكر الليل والنهار. أقام بها عبد الله بن المبارك سبعة عشر يومًا تصدق بسبعة عشر درهمًا كفارة لذلك. وأهلها مخصوصون ببغض الغرباء خصوصًا العجم. ينظر: الروض المعطار: ص ٤١٠.
(١٥) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٩٠، ٢٩١.