للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مسألة السواك للصائم]]

ولا بأسَ بالسِّواكِ الرُطْبِ بالغداةِ والعَشيِّ ولفظُ «الجامعِ الصغيرِ» قالَ: لا بأسَ بالسِّواكِ الرُطْبِ بالماءِ للصائمِ فيِ الفريضةِ بالغداةِ والعشيِّ. واعلمْ أَنَّ محمدَاً ذَكَرَ في الأصلِ أنّهُ لا بأسَ للصائِمِ أنْ يَستاكَ بالسوِّاكِ الرَطْبِ (١)، ولم يذكرْ أنهُ رطوبَتَهُ بالماءِ أو بالرُطُوبةِ الأصليةِ التي تكونُ للأشجارِ (٢)، ولا ذُكِرَ أنهُ بلَّهُ بريقهِ أو بَلَّهُ بالماءِ، فلولا روايةُ «الجامعِ الصغيرِ» لكانَ لقائلٍ أنْ يقولَ: إذا كانَ رَطْبًا بالريقِ لا بأسَ بهِ أمّا إذا كانَ رِطْبًا بالماءِ، فيُكْرهُ لمِا فيهِ مِنْ الحوْمِ حِوْلَ الحِمى وهكذا رُوِيَ عن أبي يوسفَ، فلمَّا نصَّ هاهنا على الرَّطْب بالماءِ أزالَ الإَشكالَ، وأزاحَ الاشتباهَ، ولا مُعتبرَ بما قالَهُ أبو يوسفَ؛ لأن ما يبقى مِنَ الرُّطُوبةِ بعدَ المضمضةِ أكثرُ مما يبقى بعَد السِّواكِ، ثُمَّ لم يُكْرَهُ للصائِمِ المضمضةُ، فكذلكَ لا يُكَرُه السواكُ وقد رُوِيَ عنِ النبي -عليه الصلاة والسلام- "كانَ يأمرُ عائشةَ -رضي الله عنها- أن تَبُلَّ السِّواكَ بريِقها، ثُمَّ يستعملُهُ وهو صائِمٌ" (٣)، كذا في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّةِ» (٤).

قلتُ: وبقولِهِ: (ولا بأسَ بالسِّواكِ الرّطْبِ) إلى آخرِه يُعلَمُ أنَّ ما ذَكَرهُ الصدرُ الشهيدُ -رحمه الله- (٥) (٦) في بابِ حُكْم المسجدِ من «الجامع الصغير» (٧): أنَّ كلمةَ لا بأسَ دليلٌ على أنّ المستحبَّ غيرُه، وكذلكُ ما ذَكَرهُ في الْكِتَابِ قُبيلَ بابِ الوِترِ ليسَ بمِجْرَى على عمومهِ في كُلِّ الصُّور؛ إذ دليلُ جوازِ استعمالِ السِّواكِ للصائِمِ هو عينُ الدليلِ الذي جعلوهُ دليلًا على سُنية السِّواكِ، واستحبابهٌ في حقِّ غيرِ الصائِمِ، فكانَ السّواكَ في حقِّ الصائِمِ سُنةً، ومستحبًّا أيضًا كما لغيرِ الصائِم لِعِدَمِ الفَصْلِ في الدليلَ. عُلِمَ بهذا أَنَّ كلمةَ لا بأسَ قد تُستعملُ في موضعٍ كانَ الإتيانُ بالفعل الذي دخلتهُ هي أولى مِنْ تركهِ، بلْ تستُعملُ هي في فعلٍ كانَ الإتيانُ بذلكَ الفِعِل واجبًا، فإنَّ الجُنَاحَ هو] اليأسَ (٨)، أو فوقَهُ في اقتضاءِ السُّدَّةِ، وقد استُعْمِلَ هو بهذهِ الصيغةِ مع أنَّ الإتيانَ بذلك الفعلِ واجبٌ قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٩)، والسعيُّ بينَ الصَّفا والمروةَ واجبٌ عندَنا (١٠)، وفرضٌ عندَ الشَّافِعِي -رحمه الله- (١١)، وقد تُستعملُ فيه كلمةُ لا جُناحَ، ومعناها، ومعنى لا بأسَ واحِدٌ، يثبت بهذا ما ادَّعينَا مِنَ الدَّعوى، واللهُ أعلمُ (١٢).


(١) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٦٧)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٦).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٧٩)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٩٩).
(٣) الحديث بهذا اللفظ لم أعثر له على تخريج، ولكني وجدت ما أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه في باب مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- ووفاته (٦/ ١٣) ما رَوَاهُ عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فاستن به، وهو مستند إلى صدري.
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: ٢/ ٣٤٨.
(٥) هو: عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة، أبو مُحَمَّد، حسام الدين، الحنفي، المعروف بالصدر الشهيد فقيه، أصولي، من أكابر الحنفية، تفقه على والده برهان الدين الكبير عبد العزيز، وناظر العلماء ودرس للفقهاء، وكان الملوك يصدرون عن رأيه، وتوفي شهيداً، من تصانيفه: "الفتاوى الكبرى"، و"الفتاوى الصغرى"، و"عمدة المفتي والمستفتي"، و"شرح أدب القاضي"، و"رح الجامع الصغير"، و"الواقعات الحسامية".
يُنْظَر: (الجواهر المضية: ١/ ٣٩١)، و (الفَوَائِد البهية: ص ١٤٩)، و (الأَعْلَام للزركلي: ٥/ ٥٠١).
(٦) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٦٧)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٦).
(٧) يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ١/ ١٢١.
(٨) في (ب) (الناس).
(٩) سورة البقرة الآية (١٥٨).
(١٠) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ١٢٩).
(١١) يُنْظَر: مغني المحتاج (١/ ٥١٣).
(١٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٤/ ٨٨).