للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حدُّ انكشافِ العورةِ المؤثرِ في صِحَّةِ الصَّلاةِ]

وَفِي "الْمُحِيطِ": (وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي السَّوءتَيْنِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الرُّبُعُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ نَوْعَانِ: غَلِيظَةٌ، وَخَفِيفَةٌ؛ كَالنَّجَاسَةِ، ثُمَّ فِي النَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ يُعْتَبَرُ الدِّرْهَمُ، وَفِي الْخَفِيفَةِ يُعْتَبَرُ الرُّبُعُ، فَكَذَا الْعَوْرَةُ، وَلَكِنْ هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّغْلِيظَ، فِي الْعَوْرَةِ، (١) وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ، تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الدُّبُرِ قَدْرَ دِرْهَمٍ، وَالدُّبُرُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الدُّبُرِ مَكْشُوفًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ) (٢)، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله-.

وامَّا الْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ، فَقَدْ قَدَّرَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، احْتِيَاطًا وَهَذَا احْتِيَاطٌ يَرْجَعُ إِلَى الْمُنَاقَضَةِ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْحَدَثِ جُمْلَتُهُ أَقَلُّ مِنَ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلِذَلِكَ قَدَّرْنَا بِالدِّرْهَمِ بِجَعْلِنَا (٣) وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَقْسِيمَ الْعَوْرَةِ بِالْغَلِيظَةِ، وَالْخَفِيفَةِ، إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى اخْتِيَارِ الْكَرْخِيِّ، وامَّا عَلَى اخْتِيَارِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَقْسِيمِهَا، إِذْ فِي كُلٍّ مِنْهَا يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الرُّبُعِ، مَانِعًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ -رحمه الله- فَإِنَّ عِنْدَهُ، يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ النِّصْفِ، سِوَى أَنَّ ذَلِكَ الْعُضْوَ، أَنَّ كَانَ صَغِيرًا؛ كَانَ رُبُعُهُ صَغِيرًا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا (٤) كَانَ رُبُعُهُ كَبِيرًا (٥) فَمِنْ ثَمَّةَ جُوِّزَ تَقْسِيمُهَا بِالْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ.

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ)

اخْتَلَفُوا فِي الْخِصْيَتَيْنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِصْيَتَانِ مَعَ الذَّكَرِ عُضْوٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا (٦) تَبَعٌ لِلذَّكَرِ [لِأَنَّ الْإِيلَاد (٧) يَتَعَلَّقُ بِهِمَا] (٨) فَيُعْتَبَرَانِ مِعَ الذَّكَرِ حَتَّى يُعْتَبَرَ الرُّبُعُ مِنَ الْمَجْمُوعِ (٩) فَقَالَ (١٠) بَعْضُهُمْ: الْخِصْيَتَانِ (١١) عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِصْيَتَيْنِ فِي الدِّيَةِ، اعْتُبِرَ عُضْوًا عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يُجْعَلْ تَبِعًا لِغَيْرِهِ، فَكَذَا فِي حُكْمِ الْعَوْرَةِ، وَجَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْمَحْبُوبِيُّ -رحمهما الله- هَذَا الْقَوْلَ: وَهُوَ الانْفِرَادُ أَوْلَى، كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي "الْهِدَايَةِ" (١٢).


(١) (في العورة): زيادة من (ب)
(٢) "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٢٨٠).
(٣) (ولذلك قدرنا بالدرهم بجعلنا): زيادة من (ب)
(٤) في (ب): (كثيراً).
(٥) في (ب): (كثيراً).
(٦) (لأنهما): ساقطة من (ب).
(٧) الإِيلاد: أولدت الغنم: إِذا حانَ ولادتها. انظر: " شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميري " (١١/ ٧٢٩٣).
(٨) زيادة من (ب).
(٩) من قوله -رحمه الله-: (فيعتبران .. ) إلى هذا الموضع ساقط من (ب).
(١٠) في (ب): (وقال).
(١١) (الخصيتان): ساقطة من (ب).
(١٢) "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٤٦).