للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه في ذلك أنَّ المقصود من الشَّهادة القضاءُ، فما يمنع الأداء يمنع القضاء، وهذه الأشياء تمنع الأداء بالإجماع فتمنع القضاء، [والعمى] (١) بعد التَّحمُّل يمنع الأداء عندهما [فيمتنع] (٢) القضاء أيضاً.

وعند أبي يوسف - رحمه الله - لا يمنع الأداء فلا يمنع القضاء. كذا في الذَّخيرة (٣).

وذكر في المبسوط (٤): «ولا تجوز شهادة الأخرس؛ لأنَّ أداء الشَّهادة يختص بلفظة الشَّهادة، حتى إذا قال الشَّاهد: أخبر أو أعلم لا يقبل ذلك منه، فلفظة الشَّهادة لا تتحقق من الأخرس، ثم إشارة الأخرس مشتبهة، فإنَّه يُستدل بإشارته على مراده بطريق غير موجب للعلم، فيتمكن في شهادته تهمة يمكن التحرز عنها بجنس الشُّهود».

[في قبول شهادة المحدود في قذف من عدمها]

«ولأنَّه من تمام الحد» (٥)؛ [أي:] (٦) ولأنَّ عدم قبول الشَّهادة، أو لأنَّ ردَّ الشَّهادة من تمام حدِّ القذف (٧).

«لكونه مانعاً»؛ أي: يكون رد الشَّهادة مانعاً له عن القذف، كالحد، «فيبقى بعد التوبة كأصله»؛ أي: فيبقى رد الشَّهادة بعد التوبة كأصل الحد؛ لما أنَّ حدَّ القذف لا يسقط بالتوبة، فكذا تتمته، وهي رد الشَّهادة (٨).

وإنَّما قلنا: إنَّ ردَّ شهادة القاذف من تتميم حدِّ القذف؛ لأن الجلد جزاء القذف لا محالة؛ لأنَّ الله تعالى قال: {فَاجْلِدُوهُمْ} بعد قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}، والفاء للتعقيب في مقام الجزاء، كما في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} (٩)، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} (١٠)، معطوف على الجلد، والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه، فإذا كان المعطوف عليه حداً كان المعطوف من تمام الحد.


(١) في «ج»: [الأعمى].
(٢) في «ج»: [فيمنع].
(٣) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٣٢٣)، العناية شرح الهداية (٧/ ٣٩٩).
(٤) المبسوط (١٦/ ١٣٠).
(٥) تمام المسألة في الهداية (٣/ ١٢١): «ولا المحدود في قذف وإن تاب؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤]؛ ولأنَّه من تمام الحد؛ لكونه مانعاً، فيبقى بعد التوبة كأصله، بخلاف المحدود في غير القذف؛ لأنَّ الرد للفسق، وقد ارتفع بالتوبة».
(٦) سقط من «ج».
(٧) ينظر: فتح القدير (٥/ ٣٣٨).
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤٠٠).
(٩) سورة المائدة: آية ٣٨.
(١٠) سورة النور: آية ٤.