للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان محمد بن سلمة يفتي في المفقود بقول أبي يوسف حتى تبيَّن له خطؤه في نفسه، فإنه عاش مائةً وسبع سنين، فالأليق بطريق الفقه أنْ لا يقدَّر بشيء لأنَّ نصب المقادير بالرأي لا يكون ولا نصَّ فيه، ولكنْنقول: إذا لم يبقَ أحد من أقرانه يُحكَم بموته اعتبارًا لحاله بحال نظائره (١)، هذا كلُّه في المبسوط.

(والأقيس) تفضيل المقيس كالأشهر في تفضيل المشهور (٢)، هكذا (٣) كان بخطِّ شيخي: لا يُفضَّل عَلى المفعول إلا على طريق الشُّذوذ كقولهم: أشغَل مِن ذات النّحيين وهذا من تلك الشُّذوذ.

(والأقيس أنْ لا يقدَّر بشيء) أي: بشيء من المقدرات كالمائة والتِّسعين، ولكن يقدَّر بموت الأقران لأنَّه لو لم يقدَّر بشيء أصلًا يتعطَّل حكم المفقود.

(منْ ذلك الوقت) أي: من ذلك الوقت الَّذي يحكُم (٤) القاضي بموته.

[[حكم إرث المفقود وتوريثه]]

(ومن مات قبل ذلك لم يرِث منه) أي: لم يرِث منه (٥) الّذي مات قبل ذلك الحكم بموته مِن المفقود؛ لأنَّ المفقود (٦) قبل الحكْم بموته حيٌ حكمًا فلا يَرِث أحد من الحيِّ الحكمي، كما لايرث مِن الحي الحقيقي.

(ولا يرث المفقود أحدًا مات في حال فقده) ولكن يُوقَف نصيبُه على ما يجيء عَلى ذلك مِن المسائل وذلك لأنَّ المفقود حيٌّ في مال نفسِه موقوفٌ على الحكم في حقِّ غيره.

[[الوصية للمفقود]]

(وكذلك لو أوصى للمفقود ومات الموصي) أي: لا يصحُّ الوصية بل يوقَف.

وذكر في الذخيرة: وإذا أوصى رجل للمفقود بشيء فإنّي لا أقضي بها ولا أبطلها حتَّى يظهر حال المفقود لأنّ الوصية أُخت الميراث، وفي الميراث يُحبَس حصَّة المفقود إلى أنْ يظهر حاله، فكذا في الوصية والمال في يد أجنبي (٧).

(وتصادقوا على فقد الابن) أي: تصادَق الورثة المذكورون والأجنبي. وإنَّما قيّد التصادُق (٨)؛ لأنَّه إذا قال الأجنبي الذي في يده المال: قد مات المفقود قبل ابنه (٩) فإنَّه يجبَر على دفع الثُّلثَين إلى الابنتَين؛ لأنَّ إقرار ذي اليد فيما في يده معتبَر، وقد أقرَّ بأنّ ثلثَي ما في يده للابنتَين، فيُجبر على تسليم ذلك إليهما. ولا يمتنِع صحّة إقراره بقول أولاد الابن: أبونا مفقود لأنَّهم لا يدَّعون لأنفِسهم بهذا القول شيئًا، ويوقَف الباقي على يد ذي اليد حتّى يظهر مستحِقُّه. هذا إذا أقرَّ مَن في يده المال، أمَّا لو جحَد أنْ يكون للميِّت المال في يده، فأقامت الابنتانِ البيّنة أنَّ أباهم مات وترك هذا المال مِيراثًا لهما ولأخيهما المفقود، فإنْ كان حيًّا فهو الوارث معهما، وإنْ كان ميتًا فولده الوارث معهما، فإنَّه يدفع إلى الابنتين النِّصف؛ لأنَّهما بهذه البينة تثبتان الملك، لأنَّهما في هذا المال، والأب ميِّت، واحدُ الورثة ينتصب خصمًا عن الميت، و (١٠) إثبات الملك له بالبيِّنة، وإذا ثَبت ذلك يدفع (١١) إليهما المتيقَن وهو النِّصف، ويوقف النِّصف الباقي على يدي عدل؛ لأنَّ الذي في يديه جحد، فهو غير مؤتَمن عليه. هذا إذا كان المال في يدي أجنبي، وأمَّا لو كان في يدِ الابنتين والمسألة بحالها فإنَّ القاضي لا ينبغي له أنْ يحوِّل المال مِن موضعه ولا يقف منه شيئًا للمفقود.


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٣٥ - ٣٦).
(٢) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٣٦٦).
(٣) في (ب) "هذا".
(٤) في (ب) "حكم".
(٥) ساقط من (ب).
(٦) في (ب) "المقصود".
(٧) ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٥/ ٤٥٦).
(٨) في (ب) "بالتصادق".
(٩) في (ب) "أبيه".
(١٠) في (ب) "في".
(١١) في (ب) "تدفع".