للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ورجع عمر -رضي الله عنه- إلى قول علي -رضي الله عنه- (١) وذكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنَّ عمر رجع عن ثلاثِ قضيات إلى قول علي: عن امرأة أبي كنف، والمفقود، والمرأة تزوجت في عدتِها (٢)، فمسألة المفقود هي التي ذكرتُ، وأمَّا غيرها فمذكور في المبسوط.

(والعُنَّة قلَّما تَنحلّ) فلذلك أوجبت الفُرقة لأنّ الانحلال قليل بخلاف الغَيبة.

[[المدة في الحكم بموت المفقود]]

(فإذا (٣) تم له مائة وعشرون سنة من يوم وُلِد: حكمنا بموته) وهذا يرجع إلى قول أهل الطبائع والنجوم، فإنّهم يقولون: لا يجوز أنْ يعيش أحدٌ أكثر من هذه المدّة لأنّ اجتماع النَّحسين يحصل بالطبائع الأربعة في هذه المدَّة، ولا بدَّ مِن أَنْ يضاد واحد مِن ذلك طبعه في هذه المدَّة فيموت (٤). ولكن خطأهم في ذلك قد تبيَّن للمسلمين بالنُّصوص الواردة في طُول عُمُر بعض مَن كان قبلنا كنوح -صلوات الله عليه- وغيره، فلا يُعتمَد على هذا القول.

(وفي ظاهر الرواية يقدَّر بموت الأقران) (٥) فإنّه إذا لم يبقَ أحدٌ مِن أقرانه حيًّا يُحكم بموته لأنَّ ما يقع الحاجة إلى معرفته فطريقه في الشَّرع الرُّجوع إلى أمثاله كقيَم المتلفات ومهر مُثُل النِّساء، وبقاؤه بعد موتِ جميع أقرانه نادر، وبناء الأحكام الشرعية على الظّاهر دون النّادر.

(وفي المروي عن أبي يوسف -رحمه الله- بمائة سنة)؛ لأنّ الظّاهر أنَّ أحدًا لا يعيش في زماننا أكثرَ من مائة سنة، ويُحكى أنَّه لما سُئِل عن معنى هذا قال: أُبينه لكم بطريق محسوس، فإنَّ المولود إذا كان ابن عَشر سنين يدور حول أبويه هكذا، وعقد عشرًا، فإذا كان ابن عشرين فهو بين الصِّبا والشباب هكذا، وعقد عشرين، فإذا كان ابن ثلاثين يستوي بكرًا (٦)، وعقد ثلاثين، فإذا كان ابن أربعين يحمل عليها (٧) الأثقال، هكذا وعقد أربعين، فإذا كان ابن خمسين ينحني مِن كثرة الأثقال والأشغال هكذا، وعقد خمسين، فإذا كان ابن ستين ينقبض للشيخوخة هكذا، وعقد ستين، فإذا كان ابن سبعين يتوكَّأ على عصا هكذا، وعقد سبعين، وإذا (٨) كان ابن ثمانين يستلقي هكذا/، وعقد ثمانين، فإذا كان ابن تسعين ينضمّ أمعاؤه هكذا وعقد تسعين، وإذا (٩) كان ابن مائة سنة يتحوَّل مِن الدُّنيا إلى العقبى كما يتحوَّل الحساب من اليمنى إلى اليسرى. وهذا يُحمل من أبي يوسف على سبيل المطايبة، لا أنْ يكون يُعرَف الحكم بمثل هذا، وهو نظير ما نقل عن أبي يوسف أنَّه سُئِل عن بنات العَشر مِن النساء فقال: لهو الَّلاهين، فسُئِل عن بنات العشرين، فقال: لذَّة المعانقين، فسئِل عَن بنات الثلاثين، فقال: تنزو وتلين، فسئل عن بنات الأربعين فقال: ذات مال وبنين، فسُئل عَن بنات الخمسين، فقال: عَجوز في الغابرين، فسئِل عن بنات الستين فقال: لعنة اللاعنين.


(١) قال ابن حجر: وأمّا رجوع عمر فلم أرَه. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ١٤٣).
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٣٧).
(٣) في (ب) "وإذا".
(٤) هذا قول المعطلة الذّين يَزْعمُونَ أَن الْأَشْيَاء كائنة من غير تكوين وَأَنه لَيْسَ لَهَامكون وَلَا مدبّر وَأَن هَذَا الْخلق بِمَنْزِلَة النَّبَات فِي الفيافي والقفار يَمُوت سنة شَيْء وَيحيى سنة شَيْء وينبت شَيْء وَأَنَّهَا تغلب عَلَيْهَا الطبائع الْأَرْبَعَة فِي أبدانها فَإِذا غلبت إِحْدَاهُنَّ قتلته لِأَنَّهُ يَمُوت الصَّغِير وَيحيى الْكَبِير. التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص: ٩١ - ٩٢).
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (٣٠/ ٥٤).
(٦) في (ب) "هكذا".
(٧) في (ب) "عليه".
(٨) في (ب) "فإذا".
(٩) في (ب) "فإذا".