للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا تزكية العلانية نظير الشَّهادة من حيث إنَّ القضاء لا يجب إلا بهما، كما لا يجب إلا بالشَّهادة حتَّى شرط في المزكِّي في تزكية العلانية ما هو الشَّرط في الشَّهادة من العدالة، والبلوغ، والحرية، والعقل، والبصر، وألَّا يكون محدوداً في قذف سوى لفظ الشَّهادة، فإنَّه شرط بالإجماع وهؤلاء لا يصلحون للشهادة فلا يصلحون/ لتزكية العلانية، [وعلى هذا تزكية الوالد لولده وتزكية الولد لوالده في السر جائزة؛ لأنَّها من باب الإخبار (١). وكذا في الذَّخيرة.

«تحرُّزاً عن الفتنة» (٢) (٣).

وكانت التَّزكية في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- علانية؛ لأنَّ القوم كانوا صُلحاء، والمُعَدِّل كان لا يتوانى عن الجرح؛ لأنَّهم كانوا لا يقابلونه بالأذى لو جرحهم، وفي زماننا تُركَت تزكية العلانية؛ لأنَّها بلاءٌ وفتنةٌ؛ لأنَّ الشُّهود يقابلون الجارح بالأذى (٤). كذا في الفوائد الظهيرية (٥).

«وهذا أصحُّ» (٦).

لأنَّ في زماننا كل من [ينشأ] (٧) في دار الإسلام كان الظَّاهر من حاله الحريَّة؛ ولهذا لا يسأل القاضي عن إسلامه وحريته؛ إنَّما يسأل عن عدالته (٨)، كذا ذكره الإمام قاضي خان في الجامع الصغير.

«وفي قول من رأى أن يسأل عن الشُّهود … » (٩) إلى آخره، قال أبو حنيفة - رحمه الله -: في قول من رأى أن يسأل عن الشُّهود، وهو أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- لما تقدم قُبيل هذا بقوله:

[الاختلاف في التزكية]

«قال أبو حنيفة [رحمة الله عليه] (١٠): يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم … ».

إلى أن قال: «وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: لا بد أن يسأل عنهم في السِّرِّ والعلانية» (١١).


(١) يُنظر: المحيط البرهاني (٨/ ٩٨).
(٢) الهداية (٣/ ١١٨).
(٣) سقط من «ج».
(٤) يُنظر: الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٧).
(٥) الفتاوى الظهيرية، أو فتاوى ظهير الدين؛ لظهير الدين الكبير علي بن عبد العزيز، (ت ٥٠٦ هـ). الفوائد البهية (ص ١٢٢).
(٦) الهداية (٣/ ١١٨).
(٧) في «س»: [نشأ].
(٨) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٨٠)، مجمع الأنهر (٢/ ١٨٩).
(٩) تمامها في الهداية (٣/ ١١٨): « … لم يقبل قول الخصم إنه عدل».
(١٠) في «س»: [رحمه الله].
(١١) النَصُّ بتمامه في الهداية (٣/ ١١٨)، قال: «قال أبو حنيفة/: يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم، ولا يسأل عن حال الشهود حتى يطعن الخصم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا محدوداً في قذف»، ومثل ذلك مروي عن عمر -رضي الله عنه-، ولأنَّ الظاهر هو الانزجار عما هو محرَّم في دينه، وبالظَّاهر كفاية إذ لا وصول إلى القطع، إلا في الحدود والقصاص، فإنَّه يسأل عن الشهود؛ لأنَّه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها؛ ولأن الشبهة فيها دارئة، وإن طعن الخصم فيهم سأل عنهم; لأنه تقابل الظَّاهران فيسأل طلبا للترجيح، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا بد أن يسأل عنهم في السِرِّ والعلانية في سائر الحقوق؛ لأنَّ القضاء مبناه على الحجة، وهي شهادة العدول فيتعرف عن العدالة، وفيه صون قضائه عن البطلان».