للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ويردها المُعَدِّل» (١).

أي: ويرد المستورة المُعَدِّل لتنتفي شبهة تعديل غيره؛ لأنَّه قد يتسمَّى الرجل باسم غيره، فإنَّ الاثنين قد يتفقان في الاسم والنِّسبة (٢).

وقال الخصاف (٣) /: ينبغي أن يكون المُعَدِّل في السِّر غير المُعَدِّل في العلانية (٤).

وينبغي للقاضي أن يختار للمسائلة عن الشهود من كان عدلاً؛ ليمكن الاعتماد على قوله، وينبغي أن يكون صاحب خبرة بالنَّاس ولا يكون مُنزوياً، لا يخالط الناس، لا يعرف العدل وغير العدل، وينبغي أن لا يكون طمَّاعاً، ولا فقيراً حتَّى لا يُخدَع بالمال، وأن يكون فقيهاً يعرف أصحاب الجَّرح والتَّعديل (٥).

وينبغي للمعدِّل أن يختار السؤال عن الشهود من كان موصوفاً بالأوصاف التي شرطة في المزكي، وإنَّما يسأل جيرانه وأهل سوقه؛ لأنَّهم أعرف بحاله (٦).

وإن لم يجد في جيرانه وأهل سوقه من يصلح للتّعديل، يسأل أهل مجلسه، فإن وجد كلهم غير ثقاتٍ [يعتبر] (٧) في ذلك تواتر الأخبار، وإن كان المُعَدِّل لا يعرف الشُّهود بالعدالة فأخبره رجلان عدلان؛ وَسِعَه أن يُعدِّلهما (٨).

لأنَّ خبر العدلين حُجَّة مطلقة، يجوز قطع الحكم به؛ فيجوز للمعدِّل التَّعديلُ به، ألا ترى أنَّه إذا شهد عند رجل عدلان على النَّسب وَسِعَه أن يشهد على النَّسب، فكذا ههنا (٩).

قال ابن سماعة (١٠) عن أبي يوسف - رحمهما الله-: أَقَبَلُ في تزكية السِّرِّ المرأة، والعبد، والمحدود في القذف إذا كانوا عُدولاً، ولا أقبل في تزكية العلانية إلا تزكية من أقبل شهادته؛ لأنَّ تزكية السِّرِّ من باب الإخبار والمخبر به أمرٌ دينيٌّ، وقول هؤلاء في الأمور الدينية مقَبُول إذا كانوا عدولاً، ألا ترى أنَّه تُقبَل روايتهم في الإخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويجب الصَّومُ بقولهم (١١).


(١) الهداية (٣/ ١١٨).
(٢) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٧٩)، البناية شرح الهداية (٩/ ١١٨).
(٣) أحمد بن عمر بن مهير الشَّيبَاني، أبو بكر المعروف بالخصاف: فرضيّ، حاسب، فقيه، عارف بمذهب أبي حنيفة، كان مقدماً عند الخليفة المهتدي باللَّه، كان ورعاً يأكل من كسب يده، توفي ببغداد. له تصانيف منها «أحكام الأوقاف»، و «الحيل»، و «الوصايا»، و «الشروط»، و «الرضاع»، توفي سنة ٢٦١ هـ.
ترجمته في: الجواهر المضية (١/ ٨٧)، الوافي بالوفيات (٧/ ١٧٤)، الأعلام (١/ ١٨٥).
(٤) يُنظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٣٨٢)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٢١).
(٥) يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١١٧)، العناية شرح الهداية (٧/ ٣٧٩)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٢٧).
(٦) يُنظر: المحيط البرهاني (٨/ ٩٨).
(٧) في «س»: [يشترط].
(٨) يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١١٧).
(٩) يُنظر: المحيط البرهاني (٨/ ٤٩).
(١٠) محمد بن سماعة بن عبيد الله بن هلال التميمي الفقيه، أبو عبد الله الكُوفي، قاضي بغداد، وصاحب أبي يوسف القاضي، أخذ عنه، وعَن محمد بن الحسن، وبرع في مذهب أبي حنيفة، وصنف التصانيف، وروى أيضاً عَن الليث، والمسيب بن شريك، وغيرهما، قَالَ يَحيَى بن مَعِينٍ: لو كَانَ أهلُ الحديث يصدقون فِي الحديث كما يصدق محمد بن سِمَاعة فِي الرأي لكانوا فيه على نهاية، توفي سنة ٢٤٠ هـ.
يُنظر ترجمته في: تاريخ الإسلام للذهبي (٥/ ٩١٨)، سير أعلام النبلاء (٩/ ٤٩)، الجواهر المضية (٢/ ٥٨).
(١١) يُنظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١١٧)، المحيط البرهاني (٨/ ٩٨).