للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهل يدخل المبيع في ملك المشتري؟ على قول أبي حنيفة - رحمه الله - لا يدخل (١) وعلى قولهما يدخل كذا في المغني (٢).

وذكر في المبسوط: "لا خلاف بين أصحابنا أن البدل الذي منه جانب المشروط له الخيار، ولا يخرج عن ملكه؛ لأن العين لا تخرج عن ملكه بطريق التجارة إلا بعد تمام رضاه به (٣)، وباشتراط الخيار ينعدم رضاه به، والسبب بدون الشروط لا يكون عاملاً في الحكم كاليمين بالطلاق، فإنه سبب لوقوع الطلاق عند وجود الشرط، فما لم يوجد الشرط لا يثبت الحكم به، وعند وجود الشرط لا يتبين أن الحكم كان ثابتاً قبله كما في حكم الطلاق، وهذا معنى ما نقوله: إن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بسقوط الخيار، وإنما يثبت حقيقة الملك عند سقوط الخيار، ولهذا لو كان المشتري أعتقه قبل ذلك، لم ينفذ عتقه، إلا أن السبب المنعقد في الأصل يسري إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة؛ لكونها محلاً له، وعند وجود الشرط كما ثبت الحكم في الأصل ثبت في الزوائد" (٤).

[[هلاك المبيع وضمانه]]

ولو قبضه المشتري وهلك في مدة الخيار، ضمنه بالقيمة، وذكر في المبسوط "لو كان الخيار للبائع فماتت الجارية في يد المشتري فعليه قيمتها، وقال ابن أبي ليلى (٥) - رحمه الله -: هو أمين؛ لأنه قبضها بإذن صاحبها، ووجوب ضمان القيمة باعتبار تفويت شيء على صاحبها وذلك غير موجود إن كان القبض برضاه، ولكنا نقول: البائع ما رضي بقبضه إلا بجهة العقد، والمقبوض بجهة العقد يكون مضموناً بالقيمة كالمقبوض على سوم البيع؛ وهذا لأن الضمان الأصلي الثابت بالعقد هو القيمة، وإنما يتحول منها على الثمن عند تمام الرضا، ولم يوجد حتى شرط البائع الخيار لنفسه، فبقي الضمان الأصلي، وهذا بخلاف ما إذا (كان الخيار للمشتري على ما يجيء وفيه القيمة، أي في المقبوض على سوم الشراء القيمة، أي:) (٦) لم يكن المقبوض مثلياً، وإن كان مثلياً فيضمن مثله" (٧). وذكر في التتمة (٨) "أن المقبوض على سوم الشراء إنما يكون مضموناً إذا كان الثمن مسمًّى، حتى إنه إذا قال: اذهب بهذا الثوب فإن رضيته اشتريته، فذهب به فهلك لا يضمن. ولو قال: إن رضيته اشتريته بعشرة فذهب به فهلك ضمن قيمته، وعليه الفتوى (٩) ".


(١) قال في البدائع: "وجه قول أبي حنيفة - رحمه الله -: "إن الخيار إذا كان للبائع، فالمبيع لم يخرج عن ملكه، وإذا كان للمشتري، فالثمن لم يخرج عن ملكه، وهذا يمنع دخول الثمن في ملك البائع في الأول ودخول المبيع في ملك المشتري في الثاني؛ لوجهين: أحدهما: أنه جمع بين البدل والمبدل في عقد المبادلة، وهذا لا يجوز، والثاني: إن في هذا ترك التسوية بين العاقدين في حكم المعاوضة، وهذا لا يجوز؛ لأنهما لا يرضيان بالتفاوت" بدائع الصنائع (٥/ ٢٦٥).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني (٦/ ٤٨٧ - ٤٨٨).
(٣) في هامش (أ) " أن البيع بدون الرضى لا يكون تمام في الملك".
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ٦٥).
(٥) ابن أبي ليلى، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة، وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي. ولد سنة نيف وسبعين. ومات أبوه وهو صبي، لم يأخذ عن أبيه شيئاً، بل أخذ عن أخيه عيسى عن أبيه، وكان نظيراً للإمام أبي حنيفة في الفقه. قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى. قال أحمد: كان سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلينا من حديثه. سير أعلام (٦/ ٣١١)، الأعلام للزركلي (٦/ ١٨٩).
(٦) كذا في (أ) وهي في هامشه.
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ٤٦).
(٨) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٢٧٣)، البناية شرح الهداية (٨/ ٥٦)، البحر الرائق شرح كنْز الدقائق ومنحة الخالق (٦/ ١٠ - ١١).
(٩) قال في رد المحتار: " (فلفظ الفتوى آكد من لفظ الصحيح) أي: اللفظ الذي فيه حروف الفتوى الأصلية بأي صيغة عبر؛ لأن مقابل الصحيح أو الأصح ونحوه قد يكون هو المفتى به؛ لكونه هو الأحوط، أو الأرفق بالناس أو الموافق لتعاملهم، وغير ذلك مما يراه المرجحون في المذهب داعياً إلى الإفتاء به، فإذا صرحوا بلفظ الفتوى في قول علم أنه المأخوذ به، ويظهر لي أن لفظ: "وبه نأخذ، وعليه العمل" مساو للفظ الفتوى، وكذا بالأولى لفظ: "عليه عمل الأمة"؛ لأنه يفيد الإجماع عليه، تأمل". الدر المختار وحاشية ابن عابدين (١/ ٧٣)، المسائل البدرية (٢/ ٦٤٠).