للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني

منزلته في المذهب الحنفي

يُعَدُّ كتاب "الهداية" من المصادر الأساسية والمراجع اللازمة للمؤلفين لمن بعده في الفقه الحنفي.

قال اللكنوي -رحمه الله-: (كل تصانيفه مقبولة، معتمدة، لاسيما كتاب "الهداية"، فإنه لم يزل مرجعًا للفضلاء ومنظراً للفقهاء) (١).

وقد أولاه علماء الحنفية عناية فائقة، وأثنوا عليه عطرًا فقالوا: هو أصل جليل في الفقه، وكتاب فيه نفع كبير، وخير كثير، يشتمل على أمهات مسائل أصحابنا (٢) وعيوبها، وأنواع النوازل وفنونها» (٣).

المطلب الثالث

منهج المؤلف في الكتاب

قال الإمام المرغيناني-رحمه الله-: (قد جرى علي الوعد في مبدأ بداية المبتدي أن أشرحها بتوفيق الله تعالى شرحا أرسمه بـ كفاية المنتهى فشرعت فيه والوعد يسوغ بعض المساغ وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ تبينت فيه نبذا من الإطناب، وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب، فصرفت العنان والعناية إلى شرح آخر موسوم

بـ الهداية أجمع فيه بتوفيق الله تعالى بين عيون الرواية، ومتون الدراية، تاركا للزوائد في كل باب، معرضا عن هذا النوع من الإسهاب، مع أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامها ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها حتى أن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر، ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر، وللناس فيما يعشقون مذاهب والفن خير كله) (٤).

وكما قلنا إن كتاب "الهداية" شرح لمتن واختصار لكتاب في وقت واحد، وذلك أنه خطر ببال المؤلف في أول الأمر أن يؤلف كتابا في الفقه، جامعا لأنواع المسائل، صغيرا في الحجم كبيرا في الرسم، وكان من متون المذهب المشتهرة المتداولة إذ ذاك كتابان: "مختصر القدوري" للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القدوري، و"الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني.

فكتاب "الهداية" شرح لـ"البداية" واختصار لـ"الكفاية"، وهو شرح موجز اللفظ، واضح المعنى، حسن السبك، جامع لأحكام المسائل المذهبية وأدلتها، مع التعريج على ذكر آراء المخالفين، دل فيه على علم غزير وذوق سليم (٥).

وإن من اصطلاحاته إذا قال: (الحديث محمول على المعنى الفلاني) يريد به أن أئمة الحديث قد حملوه على ذلك المعنى.

وإذا قال: (يحمل ما رواه فلان على كذا-بصيغة المجهول-) يريد به أن أئمة الحديث لم يحملوه على المعنى المذكور، كما قال في نواقض الوضوء، وإذا تعارضت الأخبار يحمل ما رواه الشافعي رحمه الله تعالى على القليل؛ فإنه أراد الحديث وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قاء فلم يتوضأ.


(١) انظر: الفوائد البهية: (ص ٢٣٢).
(٢) أصحابنا: المقصود الأئمة الثلاثة أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن.
انظر: حاشية ابن عادين (١/ ٦٩).
(٣) انظر: النافع الكبير: (ص ٣٢)، والمذهب الحنفي: (٢/ ٤٥٤).
(٤) انظر: مقدمة الهِدَايَة شرح البداية: ١/ ١٤.
(٥) انظر: مقدمة بداية المبتدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>