للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: فجواب أبي حنيفة عن الآية هو أن المراد بالفرش: الصغار، فلا يتناول الجنين، ولئن كان المراد به الجنين ففيه بيان أن الجنين مأكول، وبه نقول، ولكن عند وجود الشرط فيه، وهو أن ينفصل حيًّا فيذبح فيحل به.

ونعارضهم أيضًا بآية أخرى، وهي قوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ}» (١)، فإن أحسن أحواله أن يكون حيًّا عند ذبح الأم، فيموت باحتباس نفسه، وهذا هو المنخنقة.

وبحديث آخر: وهو ما قال -عليه السلام- لعدي بن حاتم: «إذا وقعت [لأرميتك] (٢) في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري أن الماء قتله أم سهمك» (٣)، فقد حرم الأكل عند وقوع الشك في سبب زهوق الروح، وذلك موجود في الجنين، فإنه لا يدري أنه مات بذبح أمه، أو باحتباس نفسه.

ومعارضتهم بالدليل المعقول ما ذكر (٤) في الكتاب.

وأما جواب أبي حنيفة عن الحديث الذي ذكروا مع القصة، فقال: إنه لا يكاد يصح، ولو ثبت فالمراد من قولهم: فيخرج من بطنها جنين ميت، أي: مشرف على الموت؛ قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (٥)، ومعنى قوله: «كلوه»، أي: اذبحوه وكلوه.

وأما قولهم: إنه يحل ذبح الشاة الحامل ولو لم يحل الجنين بذبح الأم لما حل ذبحها حاملاً.

قلنا: إباحة ذبح الحامل؛ لأنه يتوهم أن ينفصل الجنين حيًّا فيذبح، أو لأن المقصود لحم الأم، وذبح الحيوان لغرض صحيح حلال، كما لو ذبح ما ليس بمأكول لمقصود الجلد. هذا كله من «المبسوط» (٦)، والله أعلم.

* * *

[فصل فيما يحل أكله وفيما لا يحل]

[شرط حل الذبيحة]

لما ذكر أحكام الذبائح وما يتعلق بها ذكر في هذا الفصل تفصيل المأكول من غير المأكول، إذ المقصود الأصلي من شرعية الذبح هو التوسل إلى الأكل، وقدم الذبائح؛ لأنه ذكر في «المبسوط» (٧) أن شرط حل التناول فيما يحل من الحيوانات الذكاة؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (٨)، فالشرط مقدم على المشروط.


(١) سورة المائدة، من الآية: ٣.
(٢) ساقطة من: (ع).
(٣) صحيح، أخرجه الدارقطني في سننه: ٥/ ٥٣٢، كتاب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، رقم الحديث: ٤٧٩٩، ونصه: عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصيد، قال: «إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكله إلا أن تجده قد وقع في ماء فمات، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك؟». وقال الألباني: صحيح. ينظر: غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام: ص ٥١.
(٤) في (ع): «ذكره».
(٥) سورة الزمر، من الآية: ٣٠.
(٦) ينظر: المبسوط: ١٢/ ٧.
(٧) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٢١.
(٨) سورة المائدة، من الآية: ٣.