للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يجعل تبعًا في حقه، أي: فلا يجعل الجنين تبعًا لأمه في حق خروج (١) الدم [بجرح الأم] (٢).

بخلاف الجرح في الصيد، يعني: أنه إذا رمى إلى صيد فجرحه حيث يحل تناوله، وإن لم يحصل الفصل بين الطاهر والنجس على التمام؛ لأن ثمة أصل الجرح قد وجد، وهو في الجملة سبب الانفصال لكل الرطوبات، فأقيم السبب مقام المسبب عند العجز، وهاهنا أصل سبب الحل وهو الجرح لم يوجد في حق الجنين فافترقا.

وحقيقة المعنى فيه: ما بينا أن المطلوب من الذكاة تسييل الدم بتمييز الطاهر من النجس، وبذبح الأم لا يحصل هذا المقصود/ في الجنين، وهو الجواب عما قالوا: إن الذكاة تنبني على الوسع.

قلنا: نعم، ولكن لا يسقط بالعذر، كما لو قتل الكلب الصيد غمًّا أو خنقًا، وهذا لأن المقصود لا يحصل بدون الجرح.

والمراد بالحديث التشبيه لا النيابة، أي: ذكاة الجنين كذكاة أمه.

ألا ترى أنه ذكر الجنين أولاً، ولو كان المراد النيابة لذكر النائب أولاً دون المنوب عنه، كما في الألفاظ التي استشهد بها، ومثل هذا يذكر للتشبيه، يقال: مشية فلان مشية أبيه، وخط فلان خط أبيه، وقال القائل (٣):

وعيناك عيناها وجيدك جيدها … سوى أن عظم الساق منك دقيق

والمراد: التشبيه.

فإن قلت: ما جواب [أبي] (٤) حنيفة عن الآية التي [تمسكوا] (٥) بها، وهي (٦) قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} (٧) على ما ذكرنا (٨).

وعن الحديث وهو ما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن قومًا سألوا رسول الله، وقالوا: إنا لننحر الجزور فيخرج من بطنها (٩) جنين (١٠) ميت؛ أفنلقيه أم نأكله؟ فقال [عليه السلام] (١١): «كلوه؛ فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه» (١٢).

وعن الدليل الواضح لهم، وهو أنه يحل ذبح الشاة الحامل ولو لم يحل الجنين بذبح الأم لما حل ذبحها حاملاً؛ لما فيه من إتلاف الحيوان لا لأكله (١٣)، ونهى رسول الله -عليه السلام- عن ذلك (١٤).


(١) في (ع): «خرج».
(٢) ساقطة من: (ع).
(٣) ينظر: ديوان مجنون ليلى: ص ٨٤، تاج العروس: ٢٥/ ٤٧٠.
(٤) زيادة من: (ع).
(٥) مطموسة في (ع).
(٦) في (ع): «وهو».
(٧) سورة الأنعام، من الآية: ١٤٢.
(٨) في (ع): «ذكر».
(٩) في (ع): «بطونها».
(١٠) في (ع): «الجنين».
(١١) زيادة من: (ع).
(١٢) سبق تخريجه، ينظر: ص ٤٠٠.
(١٣) في (ع): «لمأكلة».
(١٤) أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذبح الشاة وهي حامل، كما في حديث أبي سعيد، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجنين فقال: «كلوه إن شئتم». وقال مسدد: قلنا: يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال: «كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاته ذكاة أمه». أخرجه أبو داود في سننه: ١/ ٣٢٠، كتاب الضحايا، باب ما جاء في ذكاة الجنين، برقم: ٢٨٢٧، وابن ماجه في سننه: ١/ ١٠٦٧، كتاب الذبائح، باب ذكاة الجنين ذكاة أمه، برقم: ٣١٩٩. قال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح ابن ماجه: ٢/ ٢١٢.