للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

لما ذكر العتق الحاصل من الإعتاق الاختياري الذي هو الأصل.

ذكر في هذا الفصل عامة مسائل العتق الذي يحصل من غير اختيار المالك كإرث قريبه وخروج عبد الحربي إلينا مسلمًا وولد الأمة من مولاها.

قوله: (وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (- صلى الله عليه وسلم - (١)، رواه عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهم.

وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ، أي: لفظ ذا رحم محرم عام فهو بعمومه يتناول كلّ قريب.

وقال: فهو حرّ راجع إليه فكان كل قريب وهو ذو رحم محرم من المالك كان حرًا عملاً بعمومه.

فإن قيل: الضّمير في مثل هذا راجع إلى كلمة (من) كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» (٢)، وقول الإمام: من دخل هذا الحصن أوله فله كذا من النفل فلم لا يرجع إلى من ههنا أيضاً كما هناك.

قلنا: يأتي ذلك وقوعه جزاء، وحريّة المالك لا تصلح جزاء؛ لأنّ حريته ثابتة قبل هذا حتّى صار أهلاً للملك، وحريّة المالك تستفاد من قوله ملك فكان لفظ هو راجعًا إلى المملوك لترتّب عليه جزاء الحرية، ثم عند أصحاب فمنهم داود الأصفهاني (٣): إذا ملك قريبه لا يعتق بدون الإعتاق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» (٤)، ففيه تنصيص على أنّه يستحق عليها إعتاقه ولو عتق بنفس الشراء لم يكن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فيعتقه» معنى؛ ولأنّ القرابة لو أوجبت رفع الملك لمنعت وقوعه، كما في ملك النكاح، فلما لم يمنع ثبوت الملك لم يمنع البقاء بالطّريق الأولى، وحجّتنا فيه قوله تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} (٥) فقد نفى البنّوة بينه وبين أحد من الخلق بإثبات العبودية، فذلك تنصيص على المنافات بينهما، والمتنافيان لا يجتمعان، فإذا كانت البنوّة متقرّرة انتفت العبودية، ومراده - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «فيعتقه» بذلك الشراء، لا بسبب آخر كما يقال: أطعمه فأشبعه، وسقاه فأرواه، وضربه فأوجعه، وَكَتَبَهُ فَقَرْمَطَ، وَإِنَّمَا أَثْبَتِنَا لَهُ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً؛ لأن انتفاء العبودية لا يتحقّق إلا به فإذا لم يملكه لا يعتق.


(١) يريد حديث: (وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ)، وسبق تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث طويل، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (١٧٨٠).
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٦/ ٢٦).
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العتق، باب فضل عتق الوالد (١٥١٠).
(٥) سورة مريم: ٩٢ - ٩٣.