للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ، أي كرأس حرّ فصار كقوله: مثل الحر، أي: لا يعتق بدون النيّة؛ لأنّه إثبات الحريّة فيه أي في الرأس، فصار كقوله: رأسك حرّ، والرأس يعبّر به عن جميع البدن فيعتق، فالحاصل أنّ الكنايات على ثلاثة أوجه.

منها: ما يقع به العتق نوى أو لم ينوِ، كقول المولى لعبده: تصدّقت نفسك عليك [أو ملكتك نفسك عليك] (١)، أو وهبت نفسك منك، أو أوصيت نفسك لك، أو بعت منك نفسك، فهذه الألفاظ كناية؛ لأنّ الملك لو تصوّر للعبد ثبوته على الحقيقة يعتق، فإذا [٣٩٧/ ب] تعذّر إثبات الملك بسبب التضادّ جعل كناية عن العتق، إلا أنّه يعتق من غير النيّة؛ لأنّ النيّة إنما يحتاج إليها بالكنايات إذا كان اللفظ يحتمل معناً في مختلفة احتمالاً على السّواء، ولا يمكن الجمع بين الكلّ فيحتاج إلى النيّة لتعيين واحد من الجملة، وهنا هذه الكنايات لا تحتمل معاني مختلفة، وإنّما تحتمل الكناية عن العتق لا غير، فاستغنت عن النيّة [للتعيين] (٢)، ومنها: يقع إذا نوى ولا يقع إذا لم ينوِ، كقوله: لا ملك لي عليك، ولا رق لي عليك، وخرجت عن ملكي، ولا سبيل لي عليك؛ لأنّه يجوز أنّه باعه فصار ملك الغير، فلا يكون له عليه ملك ولا سبيل، ومنها: ما لا يقع نوى أو لم ينوِ، كالطّلاق وكنايات الطّلاق، نحو قوله: قد بنت مني، أو لأمته [قد] (٣) بنت مني، أو حرمت عليّ، أو أنت خلية، وما يجري مجراها، كذا ذكره الإمام الولوالجي (٤) -رحمه الله- (٥).

وذكر هو -أيضاً- عبد في يدي رجل قيل: له أعتقت هذا العبد، فأومئ برأسه أي نعم، لا يعتق، فرق بين العتق والنّسب، فإنّ الصبي إذا كان في يدي رجل قيل له: هذا ابنك فأومئ برأسه، أي نعم، يثبت نسبه، والفرق أنّ العتق تعلّق ثبوته بالعبارة، والإشارة لا تقوم مقام العبارة عند القدرة على العبارة، وأمّا النّسب فلا يتعلّق ثبوته بالعبارة، فإنّ مجرّد الفراش الصّحيح كاف لثبوته، فجاز أن يثبت بالإيماء والله أعلم.


(١) سقطت من (ب).
(٢) سقطت من (ب).
(٣) سقطت من (أ).
(٤) هو: عبدالرشيد بن أبي حَنِيفَةَ نعمان بن عبدالرزاق بن عبدالله الولوالجي، ظهير الدين أبو الفتح، فقيه حنفي، قال أبو المظفر السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان إمامًا، فقيهًا فاضلًا، حنفي المذهب، حسن السيرة، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز مُحَمَّد بن علي، وعلي بن الحسن البرهان البلخي. من تصانيفه: "الفتاوى الولوالجية"، وكتب "الآمالي" عن جماعة من الشيوخ.
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٤١٧)، الفَوَائِد البهية (ص ٩٤، ١٢٢)، معجم المؤلفين (٥/ ٢٢٠).
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٣) البناية شرح الهداية (٦/ ٢٦).