للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أنّه لا يستعار الأسد للجبان، والحمار للزكي، وبينهما مشابهة في أوصاف؛ لأنّ كل واحد منهما حيوان موجود، ولكن لما انعدمت المشابهة في الوصف الخاص لم يجز الاستعادة، فهذا مثله لا لما ذكره الخصم فأمّا إذا استعمل لفظ التحرير في الطّلاق فليس ذلك عندنا للمشابهة معنى، [بل] (١) لسلوك طريق السببيّة فيهما، فإن ملك الرقبة يكون سبباً لملك المتعة، وملك المتعة لا يكون سبباً لملك الرقبة، وما يزيل ملك الرقبة يكون سبباً لزوال ملك المتعة، فيصلح أنه يجعل كناية عنه، فأمّا ما يزيل ملك المتعة فلا يكون سبباً لإزالة ملك الرقبة، فلا يصلح كناية عنه، ولهذا قلنا في [طرف] (٢) الاستجلاب: [أن ما] (٣) وضع لاستجلاب ملك المتعة، وهو لفظ النكاح والتزويج لا يثبت [به] (٤) ملك الرقبة، وما وضع لاستجلاب ملك الرقبة وهو لفظ الهبة والبيع، يصلح لإيجاب ملك المتعة وهو النكاح.

فإن قيل: ليس ملك النكاح في حكم ملك العين فيكون رفعه في حكم رفع ملك اليمين أيضاً.

قلنا: نعم، ولكنّه في الحقيقة ليس بملك يمين، فإنّها حرّة مالكة نفسها، فلم يكن ما يرفع ذلك الملك في معنى ما يرفع ملك الرقبة من كلّ وجه.

فإن قيل: الآدمي خلق مالكًا لنفسه بحيث ينطلق حيث شاء، وملك اليمين يمتنع ذلك كما في النكاح.

قلنا: لا كذلك، بل الآدمي حيوان كالبهيمة، وبكونه حيواناً لا يملك نفسه ولا غيره، بل بصفة الحرية يملك، وهذه الصفة تزول بالرّق فتزول المالكية، وهي علّة ملك الانطلاق شرعًا، وبالتحرير [تثبت] (٥) المالكية وصفة المالكيّة لا تزول بالنكاح، بل النكاح يمنع استعمال العلّة مع وجودها، وهذا كما سقط القوة بالمرضى فيداوى، فيقوى على المشي، والموثق يرفع وثاقه فيقدر على المشي، فلا يكون بين رفع الوثاق وبين المداواة تشاكل، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٦) و «الأسرار».

وإذا قال لعبده: أنت مثل الحر لم يعتق.

ولو قال: لامرأة حرة أنت حرّة مثل هذه، أراد بقوله: هذه أمته، فإنّ أمته تعتق، ولو قال: لم أرد العتاق لم يصدق في القضاء؛ لأنّه وصفها بالحريّة حيث شبه الحرة بها.

ولو قال لامرأة حرة: أنت مثل هذه الأمة، أراد بهذه الأمة أمته لا تعتق؛ لأنّه قد بيّن أن هذه أمته، كذا ذكر المصنف -رحمه الله- في التجنيس (٧).


(١) سقطت من (ب).
(٢) سقطت من (أ).
(٣) سقطت من (أ).
(٤) سقطت من (أ).
(٥) سقطت من (أ).
(٦) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٤).
(٧) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٤/ ٨).