للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: البنوّة -أيضاً- تختلف بين رضاعه ونسب فكيف يثبت العتق بإطلاق قوله: هذا ابني؟.

قلنا: لأنّ البنوّة من الرضاع مجاز، والمجاز لا يعارض الحقيقة.

وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ، أي لا يعتق؛ لأن المشار إليه إذا لم يكن من جنس المسمّى، فالعبرة للمسمّى كما لو باع فصًّا على أنّه ياقوت، فإذا هو زجاج فالبيع باطل، والذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، فإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمّى تعلّق الحكم بالمسمّى، وهو معدوم ولا يمكن تصحيح الكلام إيجاباً ولا إقراراً في المعدوم، فلا يمكن أن تجعل البنت مجازاً عن الابن بوجه.

ألا ترى أنّه لا يعتق وإن احتمل أن يكون ولده بأن كان يولد مثله لمثله، كذا في «المبسوط» (١) و «الأسرار».

وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، ولو كان النكاح في حكم ملك المتعة لكان التأقيت من شرطه، كما في الإجارة، أمّا الأحكام يثبت بسبب سابق إلى آخره أخرج هذا جواباً عمّا يقول له: أن الإعتاق إثبات القوّة، ولهذا يثبت به الأحكام مثل الأهليّة والولاية والشّهادة، فأنى يشبه الطّلاق الذي هو إسقاط محض، وقال: بأنّ الإعتاق إسقاط -أيضاً- بدليل صحّة التعليق فيهما، ولا يرد على ثبوت تلك الأحكام؛ لأنّها ثابتة بالآدمية غير أن الإعتاق أزال المانع فاستوى الإعتاق والطّلاق، وأنا نقول عن جوابه هذا: فقولك الأحكام تثبت [٣٩٧/ أ] لكونه آدميًّا فليس كذلك، فإنّ العبد آدمي ولا مالكية فيه، بل علّة ثبوت هذه الأحكام كونه حرًّا.

وأمّا صحة التعليق؛ فلأنّ الإعتاق إثبات القوة في العبد بواسطة إبطال ملكه، ومن حيث الإبطال يتعلّق بالشرط، إلى هذا أشار في تعليقات الإمام البرغري (٢).

إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ، أي: تظهر القوة الكامنة فيها لا أن تثبت فيها القوة بالطّلاق ابتداء؛ لأن الطّلاق من أطلقت البعير عن القيد إذا حللته، وهو عبارة عن رفع المانع عن الانطلاق، لا إثبات قوة الانطلاق، وكذلك المعنى في النكاح؛ لأنّ عين المرأة بالنكاح لا تملك، بل هي حرّة مالكة أمر نفسها، ولكن احتبست على الزوج عن حكم المالكية شرعًا؛ فكان الزّوج مانعًا والطّلاق شرع لرفع هذا المانع وأمّا العتاق.

فمعناه لغة إثبات قوة يقدر بها على الانطلاق من عتق الطير إذا قوي وطار عن الوكر، والعبد مملوك نفسه لغيره، فلا قدرة له حكمًا على الانطلاق، وبالعتق يثبت له القدرة الحكمية، واعتبر هذا في الحسيات فإن رفع القيد يخالف معناه معنى قوّة الفرح أو الطفل حتّى يقدر على الذّهاب، ولا مشابهة بين إثبات القوة، وبين إزالة المانع، ونحن نسلّم أن المشابهة في المعنى طريق الاستعارة، ولكن لا في كل وصف، بل في الوصف الخاص لكلّ واحد منهما، والوصف الخاصّ لكلّ واحد منهما ما بيّنا.


(١) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٧).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٤٤).