للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل الحرية الثابتة في قوله: هَذَا ابْنِي، وهو أكبر سناً منه غير الحرية الثّابتة بحقيقة البنوّة -أيضاً-، كما في أرش اليد على ما ذكر؛ وذلك لأنّ الحريّة الثّابتة بحقيقة البنوّة موجبة للإرث وحرمة المصاهرة وغيرهما من الأحكام، والحريّة الثّابتة بقوله: هذا ابني وهو أكبر سنًّا، لا يثبت شيئاً من ذلك، فلما كانتا غيرهن كانت مسألتنا هذه عين مسألة الأرش.

قلنا: الحرية لا تتفاوت ذاتًا وهو زوال الرّق، ولا تتفاوت حكمًا أصليًّا وهو صلاحيته للقضاء والشهادة والولايات كلّها، فكانت الحريتان سواء وما ذكرته من الثمرات فلا يبالى [به] (١)، ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية، وفي مجموع النوازل لو قال لغلامه: هذا عمّي، أو قال: هذا خالي، أو قال لأمته: هذه عمتي أو هذه خالتي، يعتق، ولو قال: هذا أخي أو هذه أختي لا يعتق؛ لأنّ الأخ اسم مشترك على ما يأتي بيانه.

بخلاف اسم العم والخال، كذا في الذّخيرة (٢).

قوله: وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ، أمّا وجه رواية أنّه يعتق، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة -رحمهما الله- فما ذكر بقوله؛ وهذا لأنّ البنوّة في المملوك سبب الحرية إلى آخره.

وكذلك ههنا الأخوّة في الملك موجب للعتق، فيجعل هذا اللفظ كناية عن موجبه، وأمّا وجه رواية أنّه لا يعتق، فهو قوله في مسألة الحدّ؛ لأنّ هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة، وهو الأب وكذلك ههنا الأخوة لا تكون إلا بواسطة الأب أو الأم؛ لأنّها عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم، وهذه الواسطة غير مذكورة، ولا موجب لهذه الكلمة بدون هذه الواسطة، كذا في «المبسوط» (٣).

وذكر فيه أيضاً أن اختلاف الروايتين (٤) في الأخ إنّما كان إذا ذكره مطلقاً، بأن قال: هذا أخي، فأمّا إذا ذكره مقيّدًا، فقال: هذا أخي لأبي أو لأمّي يعتق من غير تردّد، لما أن مطلق الأخوة مشترك، قد يراد بها الأخوة في الدّين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (٥).

وقد يراد بها الاتحاد في القبيلة قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (٦)، وقد يراد بها الأخوة في النّسب، والمشترك لا يكون حجّة بدون البيان.


(١) في (أ): له.
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٤/ ١٢).
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٨).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٤٣).
(٥) سورة الحجرات: ١٠.
(٦) سورة الأعراف: ٦٥، وأيضاً سورة هود: ٥٠.