للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

-رحمه الله- (١) يقول: المجاز خلف عن الحقيقة في التكلّم لا في الحكم؛ لأنّه تصرّف من المتكلّم في إقامة كلام مقام كلام، والمقصود تصحيح الكلام، فلا يعتبر في تصحيح المجاز تصوّر الحكم لإثبات الخلافة.

ألا ترى أنّه لو قال لحرة: اشتريتك بكذا، كان نكاحاً صحيحًا، على ما ذكرنا، والحرة ليست بمحلّ لأصل حكم البيع، وهو ملك الرقبة، ولهذا المعنى قلنا: أن أمّ الغلام لو كانت في ملكه لا يعتق؛ لأنّ اللفظ لو صار مجازًا لغيره سقط اعتبار حقيقته، وهذا مجاز عن الإقرار بحريّته، فكأنّه قال: عتق علي من حين ملكته، وليس بهذا اللفظ موجب في الأمّ، فلذلك لا يصير أم ولد له، كذا في «المبسوط» (٢)، و «الأسرار».

بخلاف ما استشهد به على بناء المفعول؛ لأنّه لم يذكر الفاعل، ولم يقل ما استشهدوا وهو قوله: أعتقتك قبل أن أخلق؛ لأنّه لا وجه له في المجاز فتعيّن الإلغاء، وذكر في «الأسرار»: بيان هذا بقوله: ولا يلزم قولهم إذا قال: أعتقتك قبل أن أخلق، فإن صريحه مستحيل، وماله حكم في ملكه لو ثبت، فإن الإعتاق قبل الخلق إعتاق قبل الملك، ولو أعتقه قبل أن يملكه، ثم ملكه لم يلزمه عتق، فإذا لم يكن من حكمه عتق لو تحقق في ملكه لم يمكن أن يجعل كناية عن عتق في ملكه، فيلزمه حكم الكلام بقدر ما يمكن تصحيحه، حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ بلفظ التثنية لا بلفظ الجمع، هكذا كان مقيدًا بقيد شيخي -رحمه الله- وهذا الذي ذكره في الكتاب صحيح (٣).

ولكن ذكر في «المبسوط» (٤) و «الأسرار» جواب هذه المسألة، وهو أوجه، حيث ألحق هذه المسألة فيهما بقوله: أعتقتك قبل أن أخلق، فإن قوله: قطعت يديك لا موجب له في هذه الصورة؛ لأن الجرح لا موجب له بعد البر، وإذا لم يبق له أثر [٣٩٦/ ب] فلا يمكن تصحيح كلامه بأن يجعل كناية عن موجبه، فلهذا كان لغوًا، وحاصله أنّ السّبب إنّما يكون مجازًا عن حكمه إذا كان له حكم، فأمّا إذا لم يكن له حكم فيلغوا، كما في قوله: أعتقتك قبل أن أخلق، على ما ذكرنا، وههنا -أيضاً- لما أخرجهما صحيحتين كان بمنزلة جرح لحقه برء على وجه لم يبق له أثر، فلا يتعلّق به حكم من الأحكام، فلا يكون كناية عن الإقرار بالأرش؛ إذ لو ثبت حقيقته لم يكن فيه أرش، فكيف يكون في مجازه أرش؟! أمّا الحرية فلا يختلف ذاتًا وحكمًا فأمكن جعله مجازاً عنه.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٧).
(٢) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٧).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٤١)، والبناية شرح الهداية (٦/ ١٧).
(٤) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٧).