للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن أبي علي الدقاق -رحمه الله- (١): فيمن سمع سجدة من قوم قرأ كل واحد منهم حرفًا ليس عليه أن يسجد؛ لأنه لم يسمعها من تالي، والله أعلم (٢).

[باب صلاة المسافر]

لما تناسب باب سجدة التلاوة بباب صلاة المسافر من حيث إن لكل منهما تأثيرًا في العبادة إلا أن تأثير التلاوة في أصلها، وتأثير السّفر في صفتها قدم الأصل على الوصف كما هو حقه، أو لأن سبب سجدة التلاوة، وهو التلاوة بطريق الأصالة عبادة محضة، ومن أصول الدين، وسبب صلاة السفر، وهو السفر معاملة، ومن الأفعال المباحة قدّم العبادة على المعاملة لما مرّ في صدر الكتاب (٣).

قوله -رحمه الله-: (السفر الذي يتغيّر به الأحكام) (٤) إنما قيّد به؛ لأنّ السفر لغةً: هو قطع المسافة، والجمع الأسفار. كذا في «الصحاح» (٥).

وهو غير متعرّض كما ترى للقطع المقيّد بثلاثة أيّام، أو أكثر، وكلامنا في القطع المقيّد، فوجب التقييد به، ثم ذكر القصد، وهو الإرادة الحادثة لما عزم؛ لأنّه لو طاف جميع العالم بلا قصد سيّر ثلاثة أيام لا يصير مسافرًا، فعُلم بهذا؛ لأنه لا معتبر للقصد المجرّد عن السير، ولا للسير المجرّد عن القصد، بل المعتبر في حقّ تغيير الأحكام اجتماعهما.

فإن قلت: الإقامة ضدّ السفر، وهي تثبت بمجرّد النية، فلم لا يثبت السّفر بمجرد النية كضدّه، فمن أي جهة وقع الفرق بينها؟

قلت: لأنّ في السفر الحاجة إلى الفعل، والفعل لا يكفيه مجرّد النية، وأمّا في الإقامة الحاجة إلى ترك الفعل، وفي الترك يكفيه مجرّد النية، ونظير هذا ما قال في [كتاب] (٦) الزَّكاة: من كان له عبد للخدمة فنوى أن يكون للتجارة لم يكن للتجارة حتى يبيعه، وإن كان للتجارة فنوى أن يكون للخدمة خرج من التجارة بالنية، وما افترقا إلا من حيث إن في الفصل الأوّل الحاجة إلى الفعل، وفي الفصل الثاني الحاجة إلى ترك الفعل. كذا في «المبسوط» (٧).

ثم الأحكام التي تتغير بالسّفر هي: قصر الصلاة، وإباحة الفطر، وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام، وسقوط وجوب [ثلاثة أيام ولياليها] (٨) الجمعة، والعيدين، والأضحية، وحرمة الخروج على الحرة بغير محرم (٩).


(١) أبو علي الدقاق الرازي صاحب كتاب الحيض، قرأ على موسى بن نصر الرازي، وأبو علي هذا أستاذ أبي سعيد البردعي. ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ٢٥٩.
(٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٥٨.
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٢٧.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٠.
(٥) (٢/ ٦٨٥ - مادة "سفر").
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) ينظر: المبسوط: ١/ ٤٣٠، وفيه: (باب صلاة المسافر)، والمحيط البرهاني: ٢/ ٨٥.
(٨) ما بين معكوفين ساقط من (أ).
(٩) ينظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٣٨.