للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[حكم أرض الصبي والمرأة]]

(وفي أرضِ الصبيِّ، والمرأةِ التغليبيين ما في أرضِ الرجل) (١)؛ لأنَّ الواجبَ هُنا مؤنةً ليستْ بزكاةٍ، ولا عقوبةٍ، ولكنهُ مُركّبٌ مِن خَراجٍ وعُشْرٍ، (٢) والصبيُّ أهلٌ لهما، كذا ذكره الإمامُ الكشَّاني؛ لأنه ليس منِ إنزالِ الأرض، ولا يمكن تحصيلها بحيلة.

وذكر في "المَبْسُوط" (٣): ولا شيءَ في القِير، والِنفطِ، والمِلح؛ لأنها فوارةٌ كالماءِ، وأما ما حولها منِ الأرضِ، فقد قال بعضُ مشايخنا: لا شيءَ فيها منِ الخراجِ، وإنْ كانت هذه العيونُ في أرضِ الخراجِ؛ لأنها غيرُ صالحةٍ للزراعةِ فكانت كالأرض السبخةِ، وما لا يبلغها الماءُ، وكان أبو بكر الرازي -رحمه الله- (٤) يقول: لا شيء في موضع القبِر، وأما حريمُهُ مما أعدّه صاحُبِه لإلقاءِ ماءٍ يحصُلُ له فيهِ فيمسحُ، فيوجبُ فيه الخراجُ؛ لأنهُ في الأصلِ صالحاً للزراعةِ إنما عَطلَهُ صاحبُه لحاجته، فلا يسقطُ الخراجُ عنه، والله أعلم.

بابُ مَنْ يجوزُ دفع الصدقةِ إليهِ وَمنْ لا يجوز

لما ذَكَرَ الزَّكَاةَ، وما يلحُقها مِن خمُس المعادِنِ، وعُشّرِ الزُّروعِ احتاجَ إلى بيانِ مَنْ يُصرفُ إليهِ هذه الأشياءُ، فشَرعَ في بيانهِ في هذا الباب، قولُه/ تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (٥) قَصْرٌ لجنسِ الصدقاتِ على الأصنافِ المعدودةِ، وأنها مختصةٌ بها لا تتجاوزُها إلى غيرِها، كأنُه قِيل: إنما هِي لهمْ لا لغيرِهم كقولك: إنما الخلافة لقريش يريدُ لا يتعداهم، ولا يكون لغيرهم، ثُمَّ ذكر الأربعة الأَولَ باللامِ، والأربعةُ الأخيرةُ بفي للأبدانِ بأنهم] أرجحُ (٦) في استحقاق التّصدقِ عليهم ممنْ سبق ذِكْرهُ؛ لأنّ في للوعاءِ فنبهَ على أنهم أحقاءُ بأنْ تُوضَعُ فيهم الصدقاتُ، وذلك لما في فكِّ الرِقابِ من الكتابة أو الرِّقِ أو الأَسْرِ، وفي فكِّ الغارمينَ منِ الغُرمِ مِنَ التخليصِ، والإيقادِ، ولجمعِ الغارمِ الفقيرِ، (٧) أو المنقطعِ في الحجِّ بينَ] الفْقرِ (٨)، والعبادةِ، وكذلك ابنَ السبيلِ جامعٌ بين الفَقْرِ، والغُربةِ عن الأهلِ والمالِ، وتكريرٌ في قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (٩) فيه فَصْلٌ، وترجيحٌ لهذين على الرِقاب والغارمين، كذا في الكَشّافِ (١٠) (١١)، (وقد سقطَ منها) (١٢) {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (١٣) إلى قوله: (وعلى ذلك انعقدَ الإجماعُ) (١٤) (١٥)، فإن قِيل: إنّ النسخَ بالإجماع لا يجوزُ (١٦)، بل لا يُتصّورُ لأنَ وقتَ حجتهِ الإجماعُ لم يبقَ، أوانُ النسخِ ووقتُ جوازِ النسخَ لا ينعقدُ بالإجماعِ؛ لأنّ جوازَ النسخِ وقْتَ حياةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، وفي ذلك الوقتُ الإجماعُ ليسِ بحُجةٍ، وفيما صار حُجةً، وهَو بعد وفاة النبِّي -عليه الصلاة والسلام- لم يبقَ، فلمّا تعاقَبا وقتاً لم يُتصوْر للاجتماعِ بينَ جوازِ النسخ، وحجيةِ الإجماعِ، فلابُدَّ أنْ يكونَ الناسُخ حجةً (١٧).


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٧).
(٢) سقطت في (ب).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: ٢/ ٣٩١.
(٤) هو: أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص من أهل الري، من فقهاء الحنفية، سكن بغداد ودرس بها تفقه الجصاص على أبي سهل الزجاج، وعلى أبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون. انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إمامًا، رحل إليه الطلبة من الأفاق. خوطب في أن يلي القضاء فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يقبل. من تصانيفه: (أحكام القرآن)، و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)، و (شرح الجامع الصغير).
يُنْظَر: (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: ١٥/ ٢٤٥)، و (الجواهر المضية: ١/ ٨٤)، و (الأَعْلَام للزركلي: ١/ ١٧١).
(٥) سورة التوبة الآية (٦٠).
(٦) في (ب): (أرسخ).
(٧) في (ب): (المنقطع).
(٨) في (ب): (الفقراء).
(٩) سورة التوبة الآية (٦٠).
(١٠) كتاب: "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل" للعلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى (٤٦٧ ـ ٥٣٨ هـ) الْكِتَاب مطبوع في أربعة مجلدات طبعته دار الْكِتَاب العربي ـ بيروت عام ١٤٠٧ هـ.
(١١) يُنْظَر: (٢/ ٢٧٠).
(١٢) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(١٣) سورة التوبة الآية (٦٠).
(١٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١١).
(١٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٣/ ١٩٥).
(١٦) اختلف أهل الاصول في جواز النسخ بالاجماع فقد أجازه بعض الحنابلة بطريق أن الاجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت النسخ به، والاجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، وإذا كان يجوز النسخ بالخبر المشهور فجوازه بالاجماع أولى.
وأكثر أهل العلم على أنه لا يجوز ذلك، لان الاجماع عبارة عن اجتماع الآراء على شئ، ثُمَّ ان النسخ حال حياة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لاتفاقنا على أنه لا نسخ بعده، وفي حال حياته ما كان ينعقد الاجماع بدون رأيه، قال ابن حزم: جوز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح، والإجماع على خلافه، قال: وذلك دليل على أنه منسوخ، قال: وهذا عِنْدَنَا غلط فاحش؛ لأن ذلك معدوم، لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وكلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- وحي محفوظ.
يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (٢/ ٦٦) إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول (٢/ ٧٥).
(١٧) يُنْظَر: الجوهرة النيرة: ١/ ١٢٧.