للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: قد ذَكَر شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي، وفَخْرُ الْإِسْلَام -رحمهما الله- (١): أنَّ النسخَ بالإجماعِ جوَّزهُ بعضُ مشايخِنا، بطريقٍ أنّ الإجماعَ، مُوجِبٌ عِلْمَ اليقينِ كالنِّص، فيجوزُ أنْ يَثْبُتَ النَّسخُ بهِ، والإجماعُ في كونِهِ حُجةً أقوى مِن الخبرِ المشهورِ، فإذا كان يجوزُ النسخُ بالخبرِ المشهورِ بالزيادة، فبالإجماع أَوْلَى وأمّا اشتِراطُ حياةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- في حقِّ جوازِ النسخَ، فجائزُ أنْ لا يكونَ مشَروطًا على قول ذلك البَعْضِ، ألا تَرَى أنَّ النسخَ بالمتواترِ، وبالمشهورِ بطريقِ الزيادةِ جائزٌ، ولا يُتَصّورُ النسخُ بالمتواترِ، والمشهورِ، والآحادِ إِلاَّ بعدَ وَفاةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- لما أنَّ المتواترَ، والمشهورَ، والآحادَ إنما يُعَرفُ بالتفرقَةِ بينها، بهذه الأسامِي في القَرْنِ الثاني، والثالث لما عُرفَ في أصول الفقه؛ لِعدَم الاحتياجِ إلى التواترِ، والشُّهرَةِ حالَ حياةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- وقالَ الشيخُ الإمامُ بدرُ الدِّينِ الكردري -رحمه الله-: في جوازِ نسخِ المُؤلَفَةِ قلوبهُم ثلاثُةَ أُوْجُهٍ:

أحدهُا: … جازَ أَنْ يكونَ في ذلك نصٌّ وكانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يذكرهُ دونَ غيره (٢)، كما أنَّ قراءةَ التتابُع في قوله: (ثلاثةُ أيامٍ متتابعاتٍ)، فَذَكَرَهُ ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- دونَ غيرِه (٣).

والثاني: … أنْ يكونَ هذا انتهاءُ الشيءِ بانتهاءِ عِلتِهِ، كانتهاءِ جوازِ الصومِ بانتهاء وقتهِ، وهو النهارَ، وانتهاءُ وجوبِ كَفارةِ الفِطْرِ بانتهاءِ شهرِ رَمضان (٤).

والثالث: … أنّ كُلَّ شيءِ يعودُ على موضوعِه بالنقصِ باطلٌ (٥) فلو قلنا: ببقاءِ جوازِ الدَّفع إلى المُؤلَفَةِ قلوبهُم يلزَمُ هذا؛ لأنهُ إنما يبذُلُ لهمْ المالَ لِدَفعِ شِّرهِمْ، لتكُونَ بيضةُ الدّينِ محميةً، ولا يَؤُولُ إلى الدِّينِ ذُلٌّ وصَغارٌ من] جانبهم (٦)، فلما وَقَعَ الأمُر عن شِّرهِم يكونُ الإعطاءُ ذُلًا وصغارُ للإسلامِ فلا يُعْطَوْنُ (٧).


(١) يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (٢/ ٦٦).
(٢) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٤٢)، البناية (٣/ ٥٢٤).
(٣) أخرجه عنه عبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (٨/ ٥١٣)، والْبَيْهَقِي في سننه، باب التتابع في صوم التكفير، (١٠/ ٦٠).
(٤) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٢٩٦)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٥٨).
(٥) يُنْظَر: البناية (٣/ ٥٢٥).
(٦) في (ب): (جوانبهم).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٦٠).