للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لأنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

-قوله: (وإن ابتُدئت مع البلوغ مستحاضة) قال الشيخ -رحمه الله-: وإن ابتُدئت بضم التاء بدلالة قوله: وهي مبتدأة، ولم يقل: مبتدئة. وكذلك الاستحاضة أيضًا تستعمل على بناء [المفعول] (١) كجُنّ وأغمي لما أنه لا اختيار لها.

وفي «الصحاح»: «استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها» (٢).

-قوله: (مستحاضة) بالنصب على الحال المقدرة كقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣] أي: مقدرين بالخلود، والخلود ليس حالة الدخول، وإنما يثبت تقديرًا حالة الدخول كما في قوله: مررت بزيد بالصقر صائدًا أي مقدرًا الاصطياد في الغد، وكذلك ها هنا لم تثبت الاستحاضة حال ابتداء رؤيتها الدم، وإنما تثبت بالزيادة على العشرة، ولكن يعلم عند زيادته على العشرة أنها [مقدرة كانت] (٣) الاستحاضة عند ابتداء رؤيتها الدم، -والله أعلم-.

فصل في المستحاضة ومن به سلس البول (٤)

(وَدَمُ الاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلا الصَّلاةَ وَلا الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الإجْمَاعِ (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلأنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لأنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ذكر المستحاضة للمعنى الذي ذكرنا من أن الدماء المختصة بالنساء ثلاثة: حيض واستحاضة ونفاس. ذكر أيضًا من هو في حكم المستحاضة وهو من به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ، فقدم ذكر الحيض لما قلنا أنه أكثر وقوعًا فكان أمس حاجة إلى معرفة أحكامه، ثم قدم الاستحاضة على النفاس إما لأن الاستحاضة موقوفة إلى عارضة فردة وهي خلاف ما تراه الحائض من الدم، والنفاس موقوف إلى عارضتين وهما: خروج الولد، وخروج الدم، والواحد قبل الاثنين. أو لأن الاستحاضة أكثر وقوعًا باعتبار كثرة أسبابها فإنها تكون مستحاضة كما إذا رأت الدم حالة الحبل أو زاد الدم على العشرة، أو زاد على معروفتها وجاوز العشرة، أو رأت ما دون الثلاث أو رأت قبل تمام الطهر، أو رأت قبل أن تبلغ تسع سنين على ما عليه العامة، كذا في نسخ الحيض، بخلاف النفاس فإن سببه شيء واحدٌ، ثم المصنف فسر الاستحاضة في آخر هذا الفصل بقوله: والمستحاضة هي التي يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه [قبل] (٥).


(١) في (ب): «الفاعل».
(٢) الصحاح (٣/ ١٠٧٣) مادة [حيض] وانظر: المغرب (١/ ٢٣٦).
(٣) في (ب): «كانت مقدرة».
(٤) سلس: شيء سلس، أي سهل، ورجلٌ سَلِسٌ، أي: لين منقادٌ بين السَلَسِ والسَلاسَة. وفلانٌ سَلِسُ البول، إذا كان لا يستمسكه. الصحاح (٣/ ٩٣٨) مادة [سلس].
(٥) يقصد الكتب التي صنفها بعض فقهاء (الحنفية) عن (الحيض) مثل: أبي علي الدقاق الرازي. انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه (١/ ١٦٥)، طبقات الفقهاء (١/ ١٤١)، الجامع في الحيض للزاهدي (ت ٦٥٨ هـ)، كشف الظنون (١/ ٥٧٧) وكتاب الحيض للكرماني (ت ٥٤٣ هـ)، كشف الظنون (٢/ ١٤١٤).