للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعريف الجناية لغة وشرعاً

لما فرغ من بيان أحكام المحرمين بدأ بما تغير بهم من العوارض من الجنايات، وهو (١) الإِحْصَار، والفوات ذكر الإمام السرخسي -رحمه الله- في أول جنايات «المبسوط» (٢). (اعلم: بأن الجناية اسم لفعل محرّم شرعًا سواء حل بمال أو نفس، ولكن في لسان الفقهاء يراد بإطلاق اسم الجناية لفعل في النفوس، والأطراف فإنهم خصّوا الفعل في المال باسم، وهو الغصب، والعرف غيره في الأسامي).

وذكر في «المغرب» (٣) (الجناية ما تجنيه من شر) أي: تحدثه تسمية بالمصدر من جنى عليه شراً، وهو عاجز (٤) إلا أنه خص بما يحرم من الفعل، وأصله من جنى الثُمَّر، وهو أخذه من الشجر.

[تطيب المحرم]

(وَإِذا تطيب الْمحرم فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة) (٥).

ذكر أولًا التطيب في جميع البدن، ثُمَّ تطييب الأعضاء عضوًا فعضوًا على وجه التفصيل.

اعلم: أن المحرم ممنوع من استعمال الدهن والطيب،

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» (٦) قال: يأتون شعثًا غبرًا من كل فج عميق، واستعمال الدهن، والطيب يزيل هذا الوصف، وما يكون صفة للعبادة يكره إزالته) كذا في «المبسوط» (٧).

(تطيب المحرم عبارة عن صيرورته طيبًا بطيب)، وهو لصوق الطيب ببدنه أو بعضو منه، والطيب عبارة عن عين له رائحة طيبة، وبهذين المعنيين (٨) وقع الاحتراز عن شم الطيب، فإنه لا جزاء فيه عندنا خلافًا للشافعي (٩) -رحمه الله- لما أنه لم يلتصق بعضو منه، وما حصل لمن شم رائحة، والرائحة ليست بعين، كذا ذكره الإمام الإسبيجابي -رحمه الله-.


(١) ساقطة من (ب).
(٢) انظر: المبسوط (٢٧/ ٨٤).
(٣) انظر: المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٩٤).
(٤) في (ب): عام.
(٥) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩)
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" (١/ ٢٢٤) برقم: [٣٣٠]، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [رَفْعِ الصَّوْتِ، بِالتَّلْبِيَةِ] (٢/ ٩٦٧) برقم: [٢٨٩٦]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب: [مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ وَالنَّحْرِ] (٣/ ١٨٠) برقم: [٨٢٧]، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفي اسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك. وورد في حديث عمر رضي الله عنه عند البزار كما في كشف الأستار (٢/ ١٧): أنه قال لمعاوية رضي الله عنه حين أخبره أنه مرَ بأم حبيبة فطَّيبته، قال: (ارجع فاغسله عنك فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الحاج الشعث التفل) وفي إسناده: إبراهيم الخوزي المتقدم ذكره. قال البيهقي: في المعرفة (٥/ ٥٤٨): ولوبلغ عمر رضي الله عنه ماروته عائشة رضي الله عنها لرجع إلى خبرها، وإذا لم يبلغه فسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع كما قال سالم بن عبدالله بن عمر
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ١٢٢).
(٨) في (ب): الوصفين.
(٩) انظر "المجموع" للنووي (٧/ ١٦٩)، و"مغني المحتاج" للخطيب (٢/ ٢٩٥).