للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[ابتلاء اليتيم]]

وحُجتنا (١) في ذلك: قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى (٦)} (٢) والابتلاء (٣): هو الامتحان بالإذن له في التجارة ليُعرف رُشده وصلاحه، وبالاستيضاف بدون مباشرته لا يتم معنى الابتلاء، ثم علَّق إلزام دفع المال إليه بالبلوغ، وذلك عبارة عن زوال ولاية الولي عنه، وبه نقول: إن ذلك لا يثبت ما لم يبلغ؛ وقال الله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ (٢)} (٤) واسم اليتيم حقيقة يتناول الصغير؛ فعرفنا: أن دفع المال إليه، وتمكينه من التصرفات جائز إذا صار عاقلًا، والمعنى فيه: أنه محجور أَذِن له وليه فينفذ تصرفه كالعبد، وهذا لأنه مع الصغير أهلٌ للتصرف إذا كان عاقلًا؛ لأنه مُميز، والأهلية للتصرف بكونه مُتكلِّمًا عن تمييز وبيانٍ، لا عن تَلقِين وهذيان (٥)، وهذا لأن الصبي يقرُب من المنافع ويبعُد من المضار، فإن الصبا سبب للمرحمة، واعتبار كلامه في التصرف محض منفعة؛ لأن الآدمي فاق سائر الحيوانات بالبيان (٦)، وهو من أعظم المنافع عند العقلاء، وهذه منفعة لا يمكن تحصيلها له برأي الموْلَى فيجب أن يَعتبر (٧).

فإن قلتَ: ما جوابنا عما تعلَّق به الشافعي (٨) - رحمه الله- من الكتاب والمسائل، أما الكتاب فقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا (٦)} (٩) فقد شرط البلوغ، وإيناس الرشد لجواز دفع المال إليه، وتمكينه من التصرف فيه، فدلَّ بأنه ليس بأهل للتصرف قبل ذلك، وقال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ (٥)} (١٠) والمراد به: الصبيان والمجانين أنه لا يدفع إليهم أموالهم (١١)، بدليل قوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ (٥)} (١٢).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢١)، بدائع الصنائع (٧/ ١٧٠ - ١٩٣)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٩).
(٢) سورة النساء من آية (٦. (
(٣) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٣)، الاختيار (٢/ ١٠٠).
(٤) سورة النساء من آية (٢).
(٥) الهذي: الخَلَطَ وَالتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي. انظر: طلبة الطلبة مادة (هـ ذ ي) (ص: ٦٢)، المصباح المنير مادة (هـ ذ ي) (٢/ ٦٣٦).
(٦) قال ابن القيم: (وَهَذَا لأنَّ الإنسان إنما تميَّز عَن سائر الْحَيَوَانَات بِمَا خص بِهِ من الْعلم وَالْعقل والفهم فَإِذا عدم ذَلِك لم يبْق فِيهِ إلا الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين سَائِر الْحَيَوَانَات) مفتاح دار السعادة (١/ ١٦٧).
(٧) المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢٢)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٩).
(٨) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٢٢٠)، الحاوي الكبير (٦/ ٣٣٩)، نهاية المحتاج (٤/ ٣٥٣)، تحفة المحتاج (٥/ ١٦٨).
(٩) سورة النساء من آية (٦).
(١٠) سورة النساء من آية (٥).
(١١) قال الرافعي: (والمراد بالسفهاء البالغون العقلاء) وقال النووي: (يعنى الجهال بالأحكام) نقلًا عن القرطبي. الحاوي الكبير (٦/ ٣٥٥)، المجموع (١٣/ ٣٧٨)، و انظر: تفسير القرطبي (٥/ ٢٨).
وقال الطبري: (قال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم، وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارِّ التي تصرف إليها الأموال). تفسير الطبري (١/ ٢٩٣)، و انظر: تفسير السمعاني (١/ ٣٩٧)، تفسير ابن كثير (١/ ٩٣).
(١٢) سورة النساء من آية (٥).