للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الإضرار بالغاصب أشد من الإضرار باللمالك]]

وإما في حق المالك فكما في قولنا: بانقطاع حق المالك من الساجة مجبورة بالقيمة، وفيه ضرر نقل المالكية (١) من العين إلى القيمة بدون اختياره، إلا أن في الإضرار بالغاصب إهدار حقه، وفي قطع المغصوب منه بضمان القيمة توفير المالية عليه لا (٢) إهدار حقه، ودفع الضرر واجب بحسب (٣) الإمكان (٤)، فضرر النقل دون ضرر الإبطال، وبسبب ظلم الغاصب لا تسقط قيمة ما إذا كان مُتقومًا في نفسه؛ فلذلك قلنا بضرر النقل دون ضرر الإهدار (٥).

فإن قلتَ: فللشافعي (٦) - رحمه الله- دليل آخر أيضًا يَختص بهذا المَوْضع، فما جوابه وهو: أن الغاصب لو نقض بناه وسلَّم الساجة كما يجوز، ويُجبر المالك على القبول بخلاف تلك المسائل (٧)، وكذلك لو صبر المالك حتى نَقَضَ الغاصب البناء كان للمالك أن يأخذه، فعُلم بهاتين المسألتين أن حقَّ المغصوب منه لم ينقطع من الساجة.

قلتُ: قد انقطع حق المغصوب منه، بدليل ما ذكرنا بأن ما اتصل بالمغصوب من الوصف صَنعة الغاصب مُتقوم في نفسه، وفي إهداره ضرر عليه، وأما جواز الرد، والجبر على القبول فباعتبار أن الامتناع عن النقوض للغاصب بدفع البناء كان لدفع الضرر عنه؛ فإذا رضي هو بنفسه حتى دفع بناه فقد التزم الضرر فيجوز الرد، والجبر للمالك على القبول لوصول الحق إلى الْمُسْتَحِقِّ كما كان (٨).

فإن قيل: صاحب الساجة صاحب أصل؛ لأن بناء الغاصب عليها، والغاصب صاحب وصف، ولاشكَّ أن مراعاة جانب [الأصل أولى من مراعاة جانب] (٩) الوصف، قلنا: بل رعاية جانب صاحب الوصف وهو البناء أولى؛ (لأن هذا الوصف قائم من كل وجه، والأصل قائم من وجه مُسْتَهْلَكٍ من وجه؛ لأن الأصل كان مِلكًا للمغصوب منه مقصودًا، والآن صار تبعًا لملك غيره؛ ولهذا صار بحيث يُسْتَحَقُّ بالشُّفعة بعد أن كان منقولًا لا يُسْتَحَقُّ بالشفعة، فانعدم منه سائر وجوه الانتفاع سوى هذا، والقائم من كل وجه يترجح [على القائم من وجه؛ وإنما يترجح] (١٠) جانب الأصل إذا كان الأصل قائمًا من كل وجه كما في مسألة الساجة، فإنها قائمة من كل وجه تُسْتَحَقُّ بالشفعة كما كانت من قبل). هذا كله بما أشار إليه في «المبسوط» (١١).


(١) في (ع): (المالية).
(٢) في (ع): (إلا).
(٣) سقطت في (ع).
(٤) كأنَّه يُشير إلى قاعدة (الضرر الأشد يزال بالأخف) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ٧٥)، المهذب في علم أصول الفقه (٥/ ٢٤٥٨).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٩٤).
(٦) قال الماوردي: (فإذا تقرر أن نقض البناء لرد المغصوب واجب، فسواء كان البناء قليلًا أو كثيرًا وسواء كانت قيمة اللوح قليلة أو كثيرة، حتى لو كانت قيمة اللوح درهمًا وقيمة البناء ألف درهم أخذ بقلعه، حتى يخلص اللوح لربه، إلا أن يراضيه على أخذ ثمنه، ثم إذا استرجع اللوح لزمه أجرة مثله إن كانت له أجرة). الحاوي الكبير (٧/ ١٩٩)، و انظر: تحفة المحتاج (٦/ ٤٨)، نهاية المحتاج (٥/ ١٨٩).
(٧) وهي مسألة: أن فيما ذهب إليه إضرارًا بالغاصب.
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٩٣).
(٩) في (أ): (صاحب) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(١٠) سقطت في (ع).
(١١) للسرخسي (١١/ ٩٤).