للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب: فيمن يَمُرّ على العاشر

أُلحْق هذا البابُ بكتابِ الزَّكَاةِ اتباعًا للمَبْسُوط وشُرُوح الجامع الصغير (١) المرتبة، فوجْهُ المناسبةِ فيه ظاهرٌ لمِا أنَّ الْعُشْرِ المأخوذَ من المسلمِ المارِ على العاشرِ هَو الزَّكَاةُ بعينها إِلاَّ أنّ هذا العاشر، كما يُأخذَ من المسلم يأخذُ من الذِّمِّي (٢)، والمستأمنِ (٣)، وليس المأخوذُ منهما بزكاة، فقدّمَ الزَّكَاةَ على هذا الباب وعلى ما بعدَه؛ لأنّ الزَّكَاةَ إحدى أركانِ الدِّينِ، وعبادةٌ محضةٌ ليس فيها شائبةُ المجازاة، والتضعيفِ، والخمُس، وتُقَّدمُ العباداتُ على غيرِها كما في سائرِ المواضعِ.

[[تعريف العاشر]]

ثُمَّ العاشرُ لغةً من عَشَرْتُ القوَم أعشرُهُم بالضم عُشرًا مضمومة إذا أخذت منهم عُشر أموالهم، فعلى هذا في تسمية العاشر للذي يأخذُ الْعُشْرِ إنما يستقيمُ على أخذهِ من الحربيِّ (٤) لا منِ المسلم وِالذِّمِّي؛ لأنه (يأخذَ مَن المسلم رَبع الْعُشْرِ، ومن الذِّمِّي نصفً الْعُشْرِ ومن الحربي الْعُشْرِ) (٥) على ما يجيءُ، ولكنه في حقِّ كلِّ واحدٍ منهم يدورُ اسمُ الْعُشْرِ، وإنْ كان مع شيءٍ آخر، فجاز إطلاقُ اسمِ العاشر عليه لذلك، وذكر في "المَبْسُوط" (٦) فقد رُوِىَ أنّ عمرَ بنَ الخطاب -رضي الله عنه- أرادَ أنْ يستعمل أنسَ بنَ مالك -رضي الله عنه- على هذا العمل، فقال له: «أتستعملني على المُكْس (٧) من عملك، فقال له: ألا ترضى أن أُقلِدَكَ ما قلَدْنِيه رسولُ اللهِ -عليه الصلاة والسلام-» (٨). والذي روُيَ من ذم العُشّار محمولٌ على مَنْ يأخذ مالَ الناسِ ظلمًا، كما هو في زماننا دونه، من يأخذ ما هو حقٌّ وهو الصدقة (٩).


(١) الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير لأبي عبدالله مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ طبعته دار عالم الكتب ببيروت سنة ١٤٠٦ هـ ويقع في جزء واحد وله شروحات كثيرة منها شرح البزدوي وشرح التُّمُرْتَاشِي.
(٢) الذِّمِّي هو: المعاهد الذي أعطي عهدا يأمن به على ماله، وعرضه، ودينه. يُنْظَر: القاموس الفقهي (ص: ١٣٨).
(٣) المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام رسل وتجار ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم. يُنْظَر: أحكام أهل الذمة (٢/ ٨٧٤).
(٤) الحربي نسبة الى الحرب وهي نقيض السلم .. والمراد به الكافر الذي يحمل جنسية الدولة الكافرة المحاربة للمسلمين. يُنْظَر: لسان العرب (١/ ٣٠٢)، معجم الفقهاء (١/ ١٧٨).
(٥) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٥٩).
(٧) المَكْسُ: الجباية، وهو مصدر من باب ضرب: أيضاً، وفاعله "مَكَّاسٌ"، والمَكْسُ: مَا يأْخذه العَشّار. يُقَالُ: مَكَسَ، فَهُوَ ماكِسٌ، يُنْظَر: المصباح المنير (ص: ٢٩٧)، لسان العرب (٦/ ٢٢٠).
(٨) رَوَاهُ عبد الرزاق في مصنفه (١٠١١٢ - ٦/ ٩٥) بنحو ماذكره المؤلف وقد رَوَاهُ ايضاً أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال بنفس السند قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(٩) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٢٣).