للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما السبب؛ فإن الزكاة تجب بعينهما كيفَ ما أمسكَ العين للنماء أو للنفقة؛ لأنهما خُلقا في الأصل رؤوسُ أموالِ التجارة، وأموالُ التجارةِ يجوز تقويمها بكلِّ واحدٍ منهما بلا حرج، فكانا كَمْالٍ واحد بعد تحققِ التجارة في ذلك المال والزكاة تجبُ بهذا السببِ، فصار في حقِّ الزَّكَاةِ كمالٍ واحد بخلاف السَّوَائِم؛ لأنها مختلفة خِلْقةً ومعنى، كذا في "المَبْسُوط" و"الْأَسْرَارِ" (١)، وإنما لا يجري رِبا الفضلِ بينهما؛ لأنهما جنسان مختلفان حقيقةً، فحينئذٍ لم يوجْد فيهما إِلاَّ أحدُ وصفي الرِّبا وهو الوزن، فكان شبهةَ العلةِ لا حقيقتها، فلا يثبتُ بها ما هو الحكمَ المتعلقُ بحقيقةِ العلةِ، وهو حُرمةُ حقيقةِ الفضل، ولا يربوا الحكم على الِعلَّةِ قوله -رحمه الله-: حتى أنّ مَنْ كانَ له مائة درهم وخمسةَ مثاقيل ذَهَب تبلغُ قيمته مائة درِهم فعليه الزَّكَاةُ عند أبي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٢)، وإنما خصَّ هذه الصورةَ؛ ليُظهِر صورةَ الخَلاف. فأمّا إذا كانَ مِن كلِّ واحد منهما نصفُ النِّصَاب بأنْ كانَ له عشرةُ مثاقيلَ ذَهَب ومائة درهم، أو مِن أحدهما ثلاثةُ أرباع النِّصَاب، والرُبْعُ من الآخر بأن كان له مائة وخمسون درهمًا وخمسة مثاقيل أو على العكس، فإنه يُضَمُّ عند علمائنا جميعًا، وجه قولها التقويم في النقودِ ساقطُ الاعتبار كما في حقوقِ العباد، فإن سائرَ الأشياء يُقَّومُ بها ألا ترى أنّ مَنْ مَلَكَ إبريقَ فضةٍ وزنه مائة وخمسون درهمًا وقيمته مائتا درهم لا تجبُ فيها الزكاة، ولو كان للتقويم عبرةٌ في بابِ الزَّكَاةِ لوجبتْ هاهنا. وأبو حينفةَ -رحمه الله- يقول: هما عينان وجبَ ضَمُّ أحدهما إلى الآخر لإيجابِ الزَّكَاةِ فكان الضمُ باعتبارِ القيمةِ كعروضِ التجارةِ لما أنّ الضمَّ كان باعتبار المعنى، وهو القيمةُ لا باعتبارِ الصورة، واعتبارُ الوزن اعتبارًا للصورة (٣).

وأمَّا مسألةُ الإبريقِ (٤): فإنُه ما وَجَبَ ضمّه، ضمَّهُ إلى شيءِ آخر حتى تعتبر فيه القيمةُ لأنَّ القيمةَ في الذَّهَبِ والْفِضَّة إنما تظهر شرعًا عند مقابلة أحدهما بالآخر فإنَّ الجودةَ والصنعةَ لا قيمةَ لها إذا قُوبِلَتْ بجنسها؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «جيدُها ورديئَها سواء» (٥). فأمّا عند مُقابلةِ أحدهمِا بالآخر يظهرُ للجودة قيمةُ ألا ترى أنه متى وقعتْ الحاجةُ إلى تقويم الذَّهَبِ وِالْفِضَّة في حقُوق العبادِ تُقَّومُ بخلاف جنسهِ، فكذا في حقوقِ الله تعالى. كذا في "المَبْسُوط"، و"الإيضاح" (٦)، والله أعلم بالصواب (٧)./


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٤٣).
(٢) يُنْظَر: البحرالرائق (٢/ ٢٤٧).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٤٩).
(٤) الإِبْرِيق: معروف، وجمعه أَبَارِيقُ، والإِبْرِيق: السيف إِذا كان شديد البريق. يُنْظَر المصباح المنير (١/ ٢٩)، لسان العرب (١/ ٢٦١).
(٥) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الاعتصام بالْكِتَابِ والسنة، باب إذا اجتهد الحاكم (٦٩١٨)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (١٥٩٣). من حديث أبي سعيد الخدري، بالمعنى ولفظه: أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بعث أخا بني عدي الأنصاري، فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب، فقال له رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: "أكل تمر خيبر هكذا؟» قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان».
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٤٩).
(٧) من قوله: (كما في حقوق العباد فإن سائر الأشياء يقوم بها … ) إلى قوله: (فكذا في حقوق الله تعالى كذا في "المَبْسُوط" و"الإيضاح". والله أعلم بالصواب). مكررة في الأصل من كلام المؤلف وحتى نهاية الباب وغير موجودة في ب.
- وقد علق المؤلف بعد هذا التكرار بكلمة (زائد) ثُمَّ كرر من قوله: (ألحق هذا الباب لكتاب الزكاة إنما للمبسوط … ) إلى قوله: (ثُمَّ العاشر لغة من عشرت القوم أعشرهم بالضم عشرًا مضمومة). وهو بعد "باب: فيمن يمر على العاشر".