للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: إنهما يقولان إن هذا عِتقٌ ثبت (١) على سبب ملك تام، فينفذ بدون السبب بالإجازة، كالوارث إذا أعتق عبدًا من التركة، وهي مستغرقة بالدين، ثم سقط الدين أو المشتري من الوارث إذا أعتق؛ وذلك لأن العقد الموقوف سبب تام في نفسه، لكن الامتناع عن نفوذ الحكم بسبب تضرر المالك، فكذلك تراخي الحكم عنه، وليس من ضرورة تمام السبب اتصال الحكم به، بل يتراخى عنه (٢)؛ لأن الأسباب الشرعية لا تنعقد خالية عن الحكم، ولكن يجوز أن يتأخر الحكم عن السبب إلى وقت الإجازة، ويبقى السبب تامًّا، والدليل على تمام السبب أن الإشهاد على النكاح إنما يُعتبر وقت العقد لا (٣) عند الإجازة، والنكاح ينعقد مع صفة التوقف.

[[إعتاق المشتري من الغاصب مع التضمين]]

وكذلك الغاصبان إذا تصارفا وتقابضا وافترقا ثم أجاز المالكان (٤) يجوز، وكذلك المبيع يُملك (٥) عند الإجازة بزوائده المنفصلة والمتصلة (٦)، فلمَّا كان البيع الموقوف سببًا تامًّا (٧) في نفسه، وتوقّف نفوذ الحكم إلى إجازة المالك، كذلك توقف العتق المبني عليه إلى إجازة المالك أيضًا، فينفذ بنفوذه، بخلاف الغاصب إذا أعتق ثم ضَمِن القيمة؛ لأن المُسْتَنِدَ له (٨) حكم الملك لا حقيقة الملك، ولهذا لا يستحق الزوائد المنفصلة، وحكم الملك يكفي لنفوذ البيع دون العتق كحكم ملك المكاتَب في كسبه، وههنا الثابت للمشتري من وقت العقد حقيقة الملك؛ ولهذا استحق الزوائد المتصلة والمنفصلة وعن هذا افترقا.

[[إعتاق المشتري من الغاصب مع إجازة المالك]]

ثم إنما قيّد في الكتاب (٩) بإعتاق الغاصب ثم بتضمينه؛ احترازًا عن إعتاق المشتري من الغاصب ثم تضمين الغاصب، فإن فيه روايتين (١٠): في روايةٍ: يصح إعتاقه، وهو الأصح قياسًا على الوقف؛ فإنه إن أوقفه المشتري من الغاصب ثم ضَمنه الغاصب يصح وقفه، وفي رواية: لا [يصح] (١١) الإعتاق من المشتري هناك؛ والفرق لأبي حنيفة (١٢) وأبي يوسف- رحمهما الله- على هذه الرواية بين إعتاق المشتري من الغاصب مع التضمين و بين إعتاق المشتري من الغاصب مع إجازة المالك هو أن المشتري هناك يملكه من جهة الغاصب؛ وقد بيّنا أنه لا يَسْتند للغاصب حقيقةُ الملك، فكيف يَستند لمن يتملكه من جهته؟! فلهذا لا ينفذ عتقه- وأما في صور الإجازة- إنما يَستند الملك له إلى وقت العقد من جهة المُجيز، والمُجيز كان مالكًا له حقيقة فيمكن إثبات (١٣) الملك للمشتري من وقت العقد على ما قلنا؛ فلهذا نَفَذَ عِتقه هذا كله من «المبسوط» (١٤).


(١) سقطت في (أ).
(٢) انظر: أصول الشاشي (ص: ٦٠)، أصول السرخسي (١/ ١٨١ - ١٨٢)، كشف الأسرار (٢/ ٦٩).
(٣) سقطت في (أ).
(٤) في (ع): (المالكون) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٦٤).
(٥) سقطت في (أ).
(٦) سقطت في (ع).
(٧) في (ع): (ثابت) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٨) سقطت في (أ).
(٩) انظر: الهداية (٤/ ٣٠٣).
(١٠) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٤٦٥)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٤٨).
(١١) سقطت في (ع).
(١٢) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٤٥)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٢٠٤).
(١٣) في (ع): (إعتاق) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٦٥).
(١٤) للسرخسي (١١/ ٦٣ - ٦٥).