للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ قُلْتَ: الصَّلاةُ مُحَلَّى بِالأَلِفِ وَاللَامِ، فَكَانَ مُتَنَاوِلاً لِجِنْسِ (١) الصَّلَاةِ، وَهِيَ الفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ، فَكَانَ نَظِيرَ قَوْلِه: لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ الحَدَثِ، فَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ أَلَّا يَصِحَّ (٢) الشُّرُوعُ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ لِصَلَاةٍ (٣) مَا، وَقَدْ ذَكَرَ شَمْسُ الأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ -رحمه الله- فِي أُصُولِ الفِقْهِ فِي حَقِّ (٤) صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الأَوْقَاتِ المَكْرُوهَةِ، أَنَّهَا تُلْزِمُ بِالشُّرُوعِ، كَمَا يُلْزِمُ بِالنَّذْرِ (٥) مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الخِلَافِ (٦).

[[فيمن شرع في الصلاة وقت النهي ثم أفسد صلاته]]

وَذَكَرَ الإِمَامُ التُّمْرتَاشِيُّ -رحمه الله- فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ "الجَامِعِ الصَّغِيرِ" (٧): قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -رحمه الله- وأبو يُوسُفَ -رحمه الله- فِيَمنْ شَرَعَ فِي (٨) الصَّلاةِ وَقْتَ الطُّلُوعِ ثمَّ أَفْسَدَ: يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ، وَالتَّمَسُّكُ بِوَجْهَيْنِ؛ بِذِكْرِ (٩) الإِفْسَادِ، وانَّهُ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الصِّحَّةِ، وَ (١٠) بِإِيجَابِ القَضَاءِ؛ وَهُوَ أَيْضًا يَتْلُو صِحَّةَ الشُّرُوعِ.

قُلْتُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَا يَجُوزُ)؛ أَيْ؛ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ شَرْعًا، فَأَمَّا لَوْ شَرَعَ يَلْزَمُ، كَمَا تَقُولُ: لَا يَجُوزُ مُبَاشَرَةِ البَيْعِ الفَاسِدِ، أَمَّا لَوْ بَاشَرَ (١١) وَقَبَضَ المَبِيعَ؛ يثْبتُ المِلْكُ، وَليْسَ هَذَا نَظِيرَ الصَّلَاةِ مَعَ الحَدَثِ، لِمَا أَنَّ النَّهْيَ (١٢) عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الحَدَثِ مُسْتَعَارٌ (١٣) لِلْنَفْيِ، فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: «نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الحُرِّ» (١٤) وَهَذَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا (١٥) أَنَّ النَّهْيَ فِي الأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ؛ يَقْتَضِي القُبْحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْقُبْحِ بِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ، كَالنَّهْيِ عَنْ بيَعِ المَضَامِينِ (١٦)، وَالمَلَاقِيحِ (١٧) (١٨).


(١) فِي (ب): (بجنس).
(٢) فِي (ب): (يصبح).
(٣) فِي (ب): (بصلاة).
(٤) (حق): ساقطة من (ب).
(٥) فِي (ب): (تلزم بالعذر)، والمثبت هُوَ الصحيح. ينظر: "أصول السرخسي" (١/ ٨٩).
(٦) ينظر: "أصول السرخسي" (١/ ٨٩).
(٧) جاء ذكر قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- وأبي يوسف -رحمه الله- فِي: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (٣/ ٩٧: ٩٨)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (٢/ ٨٠).
(٨) (في): ساقطة من (ب).
(٩) فِي (ب): (فذكر).
(١٠) (و): ساقطة من (ب).
(١١) فِي (ب): (باشره).
(١٢) فِي (ب): (النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى).
(١٣) فِي (ب): (يستعار).
(١٤) أخرجه البخاري فِي "صحيحه" (١/ ٥٧٤) فِي كتاب "البيوع" باب "إثم من باع حرا" حديث رقم (٢١٧٠).
(١٥) فِي (ب): (أصلها).
(١٦) بيع المضامين: وَهُوَ بيع مَا تضمنه الإناث فِي بطونها من كل جنس. انظر: " النتف فِي الفتاوى للسغدي" (١/ ٤٦٧)
(١٧) بيع الملاقيح: وَهُوَ بيع مَا فِي ظُهُور الذُّكُور من الْبَهَائِم. انظر: " النتف فِي الفتاوى للسغدي" (١/ ٤٦٦)
(١٨) لمعرفة المزيد عَنْ هذا الأصل، ينظر: "أصول البزدوي" (١/ ٥٨)، و"أصول السرخسي" (١/ ٨٠ ومَا بعدها).