للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دواعي الجماع بعد الحلق والتقصير والتحلل]

(لأنه من دواعي الجماع).

ألا ترى أن المعتدة يحرم عليها الطيب لهذا المعنى، والجماع بدواعيه لا يحل حتى يطوف كالقبلة والمس عن شهوة، إلا أنا نحتج بما روي عن عائشة -رضي الله عنها- وابن عباس أنهما قالا: «إذا حلق الحاج حلّ له كل شيء إلا النساء» (١) ورجحنا قولهما؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- رفعته فقالت: «طَيَّبْتُ رَسُولَ الله - عليه السلام - لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» (٢)، ولأن حظر الطيب من جنس حظر لبس المخيط، وقص الأظافير، والصيد، بدلالة أن ارتكابه قبل الحلق يوجب الكفارة دون الفساد، فيزول الحظر بالحلق استدلالًا بجنسه بخلاف حظر الجماع؛ لأنه أقوى لما تعلق به من الفساد.

وأما قوله: (أنه من دواعي الجماع) فيبقى الحرمة كالقبلة فغير مُسلّم، فإن الاستبراء يحرّم الجماع بدواعيه، ولا يحرّم الطيب، وقال الليث: إلا النساء وقتل الصيد؛ لأنهما محرمان بنص القرآن فما دامت حرمة أحدهما باقية؛ كانت حرمة الآخر باقية ضرورة، ولكنا نقول: قتل الصيد ليس نظير الجماع، ألا ترى أن الإحرام يفسد بالجماع، ولا يفسد بقتل الصيد، فكان هو نظير سائر/ المحظورات فيرتفع بالحلق، (ولهذا الأصل قال الشافعي (٣): "حرمة الجماع فيما دون الفرج ترتفع بالحلق أيضًا"؛ لأنه لا يفسد الإحرام بحال، ولكنا نقول: ما يتصل من قضاء الشهوة بالنساء، فحله مؤخرًا إلى تمام الإحلال بالطواف شرعًا، وفي ذلك الجماع في الفرج، وفيما دون الفرج سواء). كذا في «المبسوط» (٤)، و «الأسرار» (٥).


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" باب [الإفاضة] (٣/ ٦٠١) برقم: [١٥٤٥] بلفظ: «مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ قَصَّرَ، وَنَحَرَ هَدْياً؛ إِنْ كَانَ مَعَهُ. فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ. إِلاَّ النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ، حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.»، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [مَنْ قَالَ: يَحِلُّ الصَّيْدُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ] (٥/ ٣٣٤) برقم: [٩٩٩٨].
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ] (٢/ ١٣٦) برقم: [١٥٣٩]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ] (٢/ ٨٤٦) برقم: [١١٨٩].
(٣) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٢١٠). الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (٢/ ٣١٢).
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ٢٢).
(٥) انظر: الأسرار (ص ١٧٥).