للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض جائز بشرط وجود الاستهانة برميه، ولا تقع الاستهانة بالرمي بهما، ولهذا قال الفقيه أبو جعفر البلخي (١) -رحمه الله-: (أنه لو رمى كَفًّا مِنْ تُرَابٍ مكان حصاة جاز؛ لأن الحصاة بمنزلة الكف من التراب). كذا ذكره الإمام الإسبيجابي -رحمه الله- في «المبسوط (٢)» (٣).

(خلافًا للشافعي (٤) -رحمه الله-).

فإن عنده لا يجوز الرمي إلا بالحجر اتباعًا لما ورد به الأثر، فإن فيما لا يعقل المعنى فيه إنما يحصل الامتثال بعين المنصوص.

(لأن المقصود فعل الرمي، وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر).

والأصل فيه فعل الخليل، ولم يكن في الحجر له بعينه مقصودًا، إنما مقصوده فعل الرمي إما لإعادة الكبش أو لطرد الشيطان على حسب ما [اختلف الرواة] (٥)، فقلنا: بأي شيء حصل فعل الرمي أجزأه بمنزلة أحجار الاستنجاء، فكما يحصل الاستنجاء بالحجر يحصل الاستنجاء بالطين، وغيره أيضًا، وبعض المتعسفة (٦) يقولون: إن رمى بالبعرة (٧) أجزأه؛ لأن المقصود إهانة الشيطان، وهي بالبعرة تحصل، ولسنا نقول به.

(ظاهر بالترحم).

أي: كرر لفظ رحم الله المحلقين، «فإنه -صلى الله عليه وسلم- لما قال: «رحم الله المحلقين» فقيل: والمقصرين فقال أيضًا: «رحم الله المحلقين» حتى قال في الرابعة: «والمقصرين» (٨) فقد ظاهر في الدعاء ثلاث مرات للمحلقين، فدل أنه أفضل». هذا كله من «المبسوط» (٩)، ومن وجب عليه الحلق وليس على رأسه شعر (١٠) أمرَّ الموسى على رأسه؛ لأنه إن عجز عن الحلق، والتقصير قدَرَ على التشبه بالحالقين، أوالمقصرين، ثُمَّ اختلفوا في أن إجراء الموسى مستحب أو واجب، قال بعضهم: مستحب، وقال بعضهم: (واجب؛ لأن الواجب عليه شيئان إجراء الموسى، وإزالة الشعر إلا أنه عجز عن أحدهما، وقدر على الآخر فما عجز عنه سقط، وما قدر عليه بقي واجبًا). كذا ذكره الإمام الولوالجي -رحمه الله- في فتواه (١١).


(١) الفقيه أبو جعفر البلخي هو الإمام أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر الفقيه البلخي الهندواني الحنفي، شيخ كبير، وإمام جليل القدر، كان على جانب عظيم من الفقه والذكاء والزهد والورع، وكان يقال له من كماله في الفقه: أبو حنيفة الصغير، حدّث ببلخ، وأفتى بالمشكلات وأوضح المعضلات
(ت ٣٦٢ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٣/ ١٩٢)، تاج التراجم (ص/ ٢٦٤)، الفوائد البهية (ص/ ٢٩٥)
(٢) في (ب، ج): مبسوطه.
(٣) هذا القول لم أجد نسبته للفقيه أبي جعفر ولا للإمام الإسبيجابي -رحمهم الله- إنما وجدته قول لأبي يوسف -رحمه الله-.
انظر: الجوهرة النيرة (١/ ١٥٨).
(٤) انظر: المجموع (٨/ ١٥٤).
(٥) أثبته من (ب).
(٦) في (ب، ج) المتقشفة.
(٧) بعر: (البَعْر، ويُحَرَّكُ رَجِيعُ الخُفِّ والظِّلْفِ) من الإِبِل والشّاءِ، وَبَقَرِ الوَحْشِ، والظِّبَاءِ، والأَرْنَبُ تَبْعَرُ أيضًا، وَقد بَعَرَتِ الشّاةُ والبَعِيرُ يَبْعَرُ بَعْراً. (واحِدَتُه) البَعْرَةُ بهاءٍ. جمعها أَبْعَارٌ. والفِعْلُ بَعَرَ (كمَنَعَ).
انظر: المُبَرِّدُ فِي الْكَامِل، تاج العروس (ج ١٠/ ص ٢١٨).
(٨) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [الحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلَالِ] (٢/ ١٧٤) برقم: [١٧٢٧]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب [تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَجَوَازِ التَّقْصِيرِ] (٢/ ٩٤٥) برقم: [١٣٠١].
(٩) انظر: المبسوط (٤/ ٢١، ٢٢).
(١٠) في (ب، ج) شيء.
(١١) انظر: الفتاوى الولوالجية (ص ٢٧٩).