للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[جواز تصرف الصبي بالبيع والشراء لأنه دائر بين النفع والضرر]]

(والبيع/ والشراء دائر بين النفع والضرر، فيُجعل أهلًا له بعد الإذن لا قبله)؛ فإن قلتَ: لو صوَّرنا بيعه وشراءه في النفع المحض بأن باع شيئًا بأضعاف قيمته، أو باع شاة أشرفت على الهلاك بقيمة شاة صحيحة، أو زائد لا يجوز أيضًا (١) بدون رأي الولي، فلو كان تَوقف جواز البيع بسبب التردد بين النفع والضرر ينبغي أن يجوز هنا؛ لتعينه للنفع، كما في قَبول الهبة (٢).

[[وصي الأب مقدم على الجد]]

قلتُ: العبرة في تمييز التصرف بين الضرر والنفع، والمتردد للوضع لا (٣) لاتفاق الحال ليكون التمييز أيسر علينا، فقبول الهبة في نفسه نفع محض وضعًا، وهبته (٤) ضرر محض، وبيعه وشراؤه متردد في وضعه؛ لتردُّدٍ بين خاسر ورابح وعدل، فقلنا بتوقف بيعه وشرائه نظرًا إلى الأصل لا إلى إنفاق المال، إلى هذا أشار في «الأسرار» (٥).

وقوله (لاحتمال وقوعه) متعلق بقوله: (يكون موقوفًا) أي: إنما توقف تصرفه ولم يَرد من أول الأمر؛ لأنه يحتمل أن يقع تصرفه (٦) نافعًا له، وقوله (وَصِحَّةِ) بالجر معطوف على الاحتمال، أي: لصحة تصرفه في نفسه؛ لأنه تصرُّفٌ صدر من أهله مضافًا إلى محله، فكان صحيحًا، (وذِكْر الولي في الكتاب (٧) ينتظم الأب والجَدّ عند عدمه والوصي) والواو هنا ليس للترتيب؛ لأن وصي الأب مُقدَّم على الجد، حتى إذا كان للصغير وصي الأب لا يصح إذن الجد؛ وحاصله: أن كل من له ولاية التصرف والتجارة في مال الصغير فله ولاية إذنه في التجارة، وكذلك له ولاية إذنٍ عند الصغير؛ لأن الإذن في التجارة تجارة معنى، وهذا الذي ذكره في الابن الصغير (٨).

[[إذن الأب لابنه المعتوه]]

وأما إذا أذن الأب لابنه الكبير المعتوه في التجارة، فالجواب فيه كالجواب في الصبي إن كان ممن يعقل البيع والشراء يصح الإذن، وإن كان ممن لا يعقل البيع والشراء لا يصح الإذن، وهذا إذا بلغ معتوها (٩)، وأما إذا بلغ عاقلًا ثم عَتَه فأذِن له الأب في التجارة هل يصح إذنه؟

[[إذا عته الأب أو جن لا يثبت للابن ولاية التصرف]]

وكان الفقيه أبو بكر البلخي (١٠) (١١) - رحمه الله- يقول: لا يصح إذنه قياسًا، وهو قول أبي يوسف-رحمه الله-[ويصح استحسانًا، وهو قول محمد-رحمه الله-] (١٢) (١٣) وهذا بخلاف ما لو عَتَه الأب أو جُنَّ؛ فإنه لا يثبت للابن ولاية التصرف، وإنما يثبت له ولاية التزويج لا غير (١٤)؛ لأن ولاية [تصرف القريب في مال القريب إنما يثبت إذا كان الولي كامل الرأي وافر الشفقة، والأب كامل الرأي وافر الشفقة، فيثبت له ولاية] (١٥) التصرف في المال والنفس.


(١) في (ع) (نصا) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٢) انظر: مجمع الأنهر (٢/ ٤٥٤)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٠).
(٣) سقطت في (ع).
(٤) في (ع) (نفسه).
(٥) انظر: الأسرار للدبوسي (١/ ٤٢٦ - ٤٢٧).
(٦) سقطت في (أ).
(٧) انظر: مختصر القدوري (ص: ١٤٦).
(٨) انظر: مجمع الأنهر (٢/ ٤٥٤)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٠)، حاشية ابن عابدين (٣/ ٧٠).
(٩) انظر: المبسوط للشيباني (٨/ ٥١٢)، بدائع الصنائع (٧/ ١٩٣)، فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٠).
(١٠) هو: محمد بن أحيد "وقيل أحمد"، أبو بكر الإسْكَاف البَلْخِيّ، فقيه وإمام، طلب العلم متأخرا، وأصبح من مشاهير بلخ وفقهائها، من تصانيفه: (شرح الجامع الكبير للشيباني) في فروع الفقه الحنفي، أخذ عن محمد بن سلمة وأبي سليمان الجُوزْجاني، وأخذ عنه أبو جعفر الهِنْدُواني وأبو بكر بن أبي سعيد، توفي سنة ٣٣٣ هـ، وقيل ٣٣٦ هـ. انظر: تاريخ الإسلام (٨/ ٥١)، الجواهر المضيئة (٢/ ٢٨، ٢٣٩)، الفوائد البهية (ص ١٦٠)، معجم المؤلفين (٨/ ٢٣٢).
(١١) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣١٤)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٠)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٧٤).
(١٢) سقطت في (ع).
(١٣) قال جمهور الفقهاء، والصاحبان (أبو يوسف ومحمد) وبرأيهما يفتى في المذهب الحنفي: (يجوز الحجر على السفيه، رعاية لمصلحته، ومحافظة على ماله، حتى لا يكون عالة على غيره؛ ويكون حكمه حينئذ حكم الصبي المميز في التصرفات). انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (٤/ ٢٩٧٥)، مجلة الأحكام العدلية (ص: ١٩١) (مَادَّةُ ٩٩٠).
(١٤) انظر: فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٠)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٧٩).
(١٥) سقطت في (ع).